تقارير

أزمة غزة: المساعدات تحت الحصار والكارثة الإنسانية تتفاقم في 2025

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، دخل الفلسطينيون في القطاع المحاصر مرحلة غير مسبوقة من المعاناة، حيث يعيش أكثر من 2.3 مليون نسمة في ظروف إنسانية كارثية. ومع دخول الحرب عامها الثاني، تتزايد التحذيرات من مجاعة شاملة ونظام صحي منهار، في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل ومنع دخول المساعدات، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود، إلى معظم مناطق القطاع، وخاصة جنوبه.

لا تقتصر الأزمة على الدمار الناجم عن القصف المستمر، بل تتعداه إلى معاناة يومية تتعلق بأبسط مقومات الحياة، في ظل تعثر الجهود الدولية وصمت بعض الأطراف الفاعلة، ما جعل سكان غزة يواجهون الموت البطيء في مشهد يثير القلق والاشمئزاز في آن.

حصار مشدد يعطل دخول المساعدات

منذ بدء العمليات العسكرية، فرضت إسرائيل طوقًا محكمًا على القطاع، وأغلقت المعابر الحيوية مثل معبر كرم أبو سالم، بينما فرضت قيودًا شديدة على دخول المساعدات من معبر رفح. ورغم إعلان بعض الدول إرسال قوافل غذائية وطبية، فإن معظمها بقي عالقًا في الجانب المصري أو تم السماح له بالدخول بكميات محدودة لا تلبي حتى الحد الأدنى من الاحتياجات.

ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فإن نحو 80% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما باتت نسبة كبيرة من الأطفال تعاني من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم. وتفيد منظمة “أوتشا” التابعة للأمم المتحدة بأن قوافل الإغاثة تواجه رفضًا متكررًا أو تفتيشًا دقيقًا يؤدي لتلف بعض المواد الغذائية، فيما يُمنع دخول الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات ومحطات تحلية المياه.

انهيار الخدمات الصحية بشكل شبه كامل

تسببت الحرب في تدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، أبرزها مستشفى الشفاء في غزة، بينما خرجت معظم المستشفيات الباقية عن الخدمة إما بسبب القصف المباشر أو نقص الوقود والمستلزمات الطبية. وتؤكد وزارة الصحة في غزة أن النظام الصحي في مرحلة الانهيار الكامل، وأن الأطقم الطبية تعمل في ظروف قاسية، حيث تفتقر غرف العمليات إلى الكهرباء، وتُجرى بعض العمليات الجراحية بدون تخدير.

كما يعاني المرضى المصابون بأمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي والسرطان من انقطاع العلاج، بينما يواجه الأطفال والحوامل خطرًا مضاعفًا بسبب غياب الرعاية الطبية الأولية. وتؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية أن غزة تشهد الآن أسوأ أزمة طبية في تاريخها، محذرة من أن “كل ساعة تأخير في إدخال المساعدات تعني المزيد من الأرواح المهددة بالموت”.

الوضع الإنساني في الجنوب لا يقل سوءًا عن الشمال

رغم أن كثيرًا من سكان غزة فروا إلى الجنوب هربًا من العمليات العسكرية في الشمال، إلا أن الوضع هناك بات كارثيًا كذلك. فمدن مثل رفح وخان يونس أصبحت مكتظة بعشرات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في خيام تفتقر إلى المياه النظيفة والحمامات ومصادر التدفئة أو التبريد، ما يرفع من معدلات انتشار الأمراض المعدية.

وتشير منظمات الإغاثة الدولية إلى أن مناطق الجنوب باتت “قنبلة موقوتة”، حيث يتكدس الناس في مساحة محدودة دون خدمات، فيما باتت محاولات الدخول إلى مدينة رفح محفوفة بالخطر بعد أن أعلنت إسرائيل سيطرتها جزئيًا على محيط المعبر الحدودي في مايو 2025.

التحركات الدولية والجهود المتعثرة

رغم الأصوات المتزايدة في الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية التي تطالب بوقف الحرب وتسهيل إدخال المساعدات، فإن المواقف الرسمية للدول الكبرى ما زالت تتسم بالضعف أو الانحياز. فبينما تحذر الأمم المتحدة من “كارثة إنسانية وشيكة”، تعرقل الولايات المتحدة عدة محاولات لإصدار قرارات في مجلس الأمن تطالب بوقف إطلاق النار أو فتح ممرات إنسانية آمنة.

من جانبها، أعلنت مصر مرارًا استعدادها لإدخال المساعدات من معبر رفح، لكنها تؤكد أن إسرائيل تعرقل العملية بشكل متكرر، وتصر على تفتيش كل شاحنة، بل وتمنع إدخال معدات حيوية مثل أجهزة الأشعة المتنقلة أو مولدات الكهرباء.

وفي محاولة لتجاوز هذه العراقيل، أطلقت بعض الدول مبادرات لإسقاط المساعدات جوًا أو نقلها عبر البحر، لكن تلك المحاولات لا تزال محدودة النطاق ولا تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

ماذا يقول سكان غزة؟

بين ركام البيوت المدمرة والمستشفيات التي تحولت إلى ساحات للموت، يعيش سكان غزة واقعًا لا يمكن وصفه. تقول أم محمد، وهي أم لخمسة أطفال في خان يونس: “أطفالي ينامون من دون طعام، لا حليب، لا دواء، حتى المياه غير صالحة للشرب… نعيش على أمل أن تصل قافلة من مكان ما، لكنها لا تصل”.

أما محمود، وهو مسعف ميداني، فيؤكد أن الجرحى يُتركون أحيانًا ليموتوا بسبب نقص الموارد، ويقول: “الضمادات نفدت، والمسكنات لا تكفي، ننقل الجرحى بسيارات خاصة أو حتى عربات يدوية… هذه ليست حياة، هذا جحيم”.

المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي

ما يحدث في غزة اليوم ليس فقط أزمة إنسانية، بل اختبار للضمير العالمي بأسره. ففي ظل توافر الإمكانيات التقنية واللوجستية، فإن تعثر إدخال المساعدات لا يمكن تبريره سوى بالتواطؤ أو التقاعس. وفي حين أن أصوات الشارع في عدة دول ارتفعت تضامنًا مع غزة، إلا أن الضغط السياسي لم يكن كافيًا حتى الآن لفرض وقف للعدوان أو كسر الحصار.

ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا الوضع قد يدفع الأمور نحو انفجار إقليمي أوسع، في ظل الغضب الشعبي العارم في الدول العربية والإسلامية، والاحتقان الداخلي داخل الأراضي الفلسطينية، خاصة في ظل شعور عام بالتخلي والخذلان.

زر الذهاب إلى الأعلى