مقالات

” كورونا ” ويوم الصلاة العالمي

 

جمال أسعد

في حالة من حالات التوحد الإنساني والتقارب الروحي مع الله الخالق دعت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية أن يكون اليوم الخميس ١٤/٥/٢٠٢٠ يومًا للصلاة والدعاء والتقرب إلى الله لرفع الوباء وإنقاذ البشرية، وهى الدعوة التي لاقت قبولًا عالميًا كبيرًا من القيادات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية وكذلك من القيادات السياسية وقادة المنظمات الدولية وكبار رجال الأديان في العالم حيث بادر قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بتأكيدهما لهذه الدعوة .

كما سيحضر رؤساء دول على رأسهم الشيخ محمد بن زايد ولى عهد الإمارات والرئيس الفلسطيني والرئيس اللبناني وسعد الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق، وأمين عام الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الرئيس الشيشانى رمضان قديروف وغيرهم الكثير، كما أن الدعوة صدرت ب ١٤ لغة عالمية على رأسها اللغة العربية، وقال مندوب الفاتيكان ” إن تجمع العالم للصلاة والدعاء لله لرفع البلاء يُجسد الحلم في وحدة إنسانية حقيقية يحتاجها العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى ” .

كما صرح رئيس جامعة الأزهر، أن هذه الجائحة ليست أقوى من إيماننا بالله، وسوف نبتهل لله من أجل الإنسانية، ونرفع أكف الضراعة لينقذنا الله من هذا الوباء، ويشملنا الله برحمته ورعايته .

هذه الدعوة تجعلنا نخلو إلى النفس، لكي نستدعى حالة تأملية روحية فيما حدث نتيجة لهذا الفيروس، في الأيام الأولى لانتشار الفيروس، وقد توقف العالم تمامًا كما لم يحدث قبل ذلك وبتلك الحالة وبهذه المواصفات، مما جعل هناك إحساسا لدى الجميع بحالة من حالات المساواة الإنسانية الطبيعية تتسق مع مشيئة الله في الخلق وإرادته في المساواة الإنسانية، فالجميع القوى والضعيف والغنى والفقير والمتقدم والمتخلف والمؤمن وغير المؤمن في حالة إحساس جماعي كوكبي، غير مسبوق، يُذكر الإنسان بوحدة الإنسانية ووحدة المصير البشرى، فوجدنا من يتحدث عن التوافق العالمي لحل المشكلات وإيجاد العلاج والاتجاه نحو الحماية الصحية والبيئية والبحث العلمي..الخ، ولكن، وآه من لكن هذه .

سريعًا ما وجدنا عودة الطبيعة البشرية للصراع الأزلي، الذي دائمًا ما يلخص في مقولة الصراع بين الخير والشر، وجدنا الجميع يتسابق للاستفادة من الكارثة وتحويلها إلى صراع سياسي لإثبات الوجود أو الحفاظ على هذا الوجود السياسي الذي يعتمد على القوة والغرور والاستغلال على الرغم من كشف وتعرية كورونا للجميع وللسياسات وللشعارات الفارغة، التي لا تهتم بغير المصلحة الذاتية على حساب مصلحة الجميع، على الرغم من أن مشيئة الخلق تهدف إلى وحدة الإنسانية مع الاختلاف الذي يؤكد الوحدة.

فكل الخليقة تؤمن بالله أو الإله أيًا كانت صفته وقدرته، وكل الأديان تدعو للصلاة والصوم والأخلاقيات، ولكن الصراع الدنيوي والمصالح الذاتية تحول القيم وتلك المبادئ وعظيم الإيمان إلى صراع يتشابه مع الصراعات الأيديولوجية بوجهها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هنا يتحول التوحد الإنساني إلى صراع بين الإنسان والإنسان، والأهم أن هذا الصراع يتخفى وراء ستار ديني يتاجر بالدين ويستغله لمصالح ذاتية وسياسية، هنا فوثيقة الأخوة الإنسانية، التي صدرت منها تلك الدعوة هي وثيقة تؤكد هذه الوحدة الإنسانية مع التعددية الدينية .

فاليوم سيقف الجميع بتعدد أديانهم أمام الله الخالق القادر ويسألونه العفو وإزالة الغم وإزاحة الكارثة، فهو القادر على كل شيء، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن الله الخالق والآمر بالصلاة والصوم هو أيضًا الداعي إلى العمل والعلم والجد والاجتهاد بعيدًا عن التقاعس أو إبراء الذمة بالصوم والصلاة دون العمل، فهذا اليوم العالمي للصلاة لا يتناقض مع البحث العلمي الذي يُوجد المصل الواقي ولا مع رصد المتغيرات ووضع برامج سياسية واقتصادية لاستيعاب نتائج تلك المتغيرات القادمة، فيوم الصلاة العالمي يؤكد وحدة الخلق ووحدانية الله ووحدة الإنسانية، ولذا فيا ليت هذا يجعلنا نقبل الآخر المختلف دينيًا وحتى غير المؤمن أصلًا، فهذا كله موكل لله الذي سيحاسب الجميع بالعدل والرحمة، كما نعلم أن حتى الكنائس التي لم تُعلن مشاركتها في هذا اليوم هي أيضًا بالتأكيد ستصلى،لأن الكنائس والمساجد والمعابد عملها الأصلي هو الصلاة لله لكي يزيل الغمة. أزال الله الغمة من على العالم بأكمله فهو على كل شيء قدير .

 

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading