بعد تعثّر التهدئة في غزة.. ما مستقبل الوساطات العربية والدولية وسط التصعيد الإسرائيلي؟

امنذ أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت نيران التصعيد العسكري الإسرائيلي الأعنف منذ سنوات، ومع كل مبادرة تهدئة تظهر في الأفق، يعود الوضع للانفجار مجددًا، وسط عجز واضح من الأطراف الإقليمية والدولية عن فرض وقف شامل لإطلاق النار. في هذا السياق، تواجه الوساطات العربية، خاصة المصرية والقطرية، تحديات غير مسبوقة أمام تصلب المواقف الإسرائيلية، وتضارب الأجندات الدولية، ما يثير تساؤلات عن مدى جدوى تلك الوساطات ومصيرها في المرحلة المقبلة.
لماذا تعثّرت التهدئة؟
رغم أن مصر وقطر قدمتا أكثر من مبادرة تهدئة خلال الأشهر الماضية، إلا أن معظمها انتهى إلى الفشل أو الجمود. الأسباب متعددة، منها:
-
تمسّك إسرائيل باجتثاث حركة حماس كشرط أساسي لأي تهدئة طويلة الأمد.
-
رفض الفصائل الفلسطينية تسليم السلاح أو فك ارتباطها بإيران.
-
خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها، بين من يدعو للتصعيد ومن يفضل المسار الدبلوماسي.
-
غياب ضغط دولي حقيقي يُلزم إسرائيل بوقف العمليات العسكرية.
دور الوساطة المصرية.. حدود التأثير وأدوات الضغط
لعبت مصر منذ بداية الحرب دور الوسيط المحوري بين إسرائيل وحماس، بالنظر إلى حدودها الجغرافية، وثقلها الأمني في الملف الفلسطيني. ومع ذلك، تواجه الوساطة المصرية مأزقًا متصاعدًا:
-
تراجع ثقة بعض الفصائل في حيادية القاهرة.
-
تضاؤل قدرة مصر على التأثير في القرار الإسرائيلي مقارنة بما كانت عليه في الحروب السابقة.
-
تدهور الوضع الإنساني في غزة، ما يجعل أي هدنة بدون حلول جذرية تبدو غير كافية.
ومع ذلك، لا تزال القاهرة الطرف الأكثر انخراطًا في محاولات التهدئة، حيث تواصل إرسال الوفود الأمنية إلى تل أبيب وغزة، وتُنسق مع واشنطن لضمان الحد الأدنى من التفاهمات الإنسانية.
قطر.. التمويل مقابل التهدئة؟
تتمتع الدوحة بعلاقة وثيقة مع حركة حماس، وتعد من أكبر الداعمين الماليين لغزة، حيث تمول مشاريع إنسانية وكهرباء ورواتب موظفين. في السنوات الأخيرة، استخدمت قطر هذه الورقة للضغط نحو التهدئة، لكن تأثيرها تراجع مؤخرًا للأسباب التالية:
-
صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف ورفضه أي تسويات حتى ولو كانت إنسانية.
-
انقسام الموقف الأميركي حيال دور قطر في دعم فصائل المقاومة.
-
تراجع قدرة قطر على ضمان التزامات حماس في ظل بيئة معقدة ميدانيًا وسياسيًا.
الدور الأميركي.. غياب الضغط الجاد
رغم أن إدارة بايدن تبدي دعمًا لفظيًا لحل الدولتين، إلا أن الموقف الأميركي عمليًا منحاز بشدة إلى إسرائيل. ويُلاحظ أن:
-
واشنطن لم تمارس ضغطًا جادًا لوقف الحرب، بل اكتفت بالدعوة لـ”وقف إنساني مؤقت”.
-
استخدمت الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن ضد قرارات تطالب بوقف إطلاق النار.
-
زودت إسرائيل بالسلاح والذخيرة أثناء الحرب، مما قوض مصداقية أي وساطة.
الأمم المتحدة ومحدودية التأثير
رغم التحركات المتكررة للأمم المتحدة ومبعوثيها، إلا أن فاعليتها محدودة للغاية بسبب:
-
عدم وجود صلاحيات تنفيذية حقيقية.
-
انقسام مجلس الأمن بسبب المواقف الغربية المؤيدة لإسرائيل.
-
عجز الوكالات الأممية عن الوصول الكامل إلى المناطق المتضررة في غزة بسبب الحصار والقصف.
المقاومة الفلسطينية.. موقف ثابت رغم الضغوط
أبدت الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، تمسكًا بشروطها الأساسية للتهدئة:
-
وقف إطلاق النار الكامل.
-
انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.
-
رفع الحصار المفروض منذ أكثر من 15 عامًا.
-
فتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات.
وترى المقاومة أن أي تهدئة لا تلبي هذه المطالب لن تكون مستدامة، وإنما “استراحة محارب” فقط.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل الوساطات
-
نجاح جزئي للتهدئة المؤقتة: قد تنجح الوساطات في الوصول إلى هدنة مؤقتة تسمح بدخول مساعدات أو تبادل أسرى، لكنها لن تُنهي الحرب.
-
فشل كامل وتمدد الصراع: إذا استمر تصلب المواقف، قد ينفجر الوضع أكثر، ويدخل القطاع في مواجهة طويلة.
-
تدخلات دولية مباشرة: احتمال أن تُضطر قوى مثل الصين أو روسيا للدخول على خط الوساطة لخلق توازن دولي.
-
تدويل الملف الإنساني: تحويل جزء من ملف غزة إلى إشراف أممي مباشر، خاصة المساعدات وإعادة الإعمار.
ماذا يريد سكان غزة؟
المدنيون في القطاع هم الضحية الأبرز لكل جولة تصعيد. ويأمل غالبية السكان في:
-
وقف دائم لإطلاق النار.
-
ضمانات دولية بعدم تكرار العدوان.
-
فتح الحدود والمعابر.
-
توفير الاحتياجات الأساسية مثل الماء والكهرباء والدواء.
لكن حتى الآن، لا يبدو أن أي طرف قادر على تقديم هذه الضمانات بشكل عملي