تقارير

مشاعل التنوير.. الشيخ أمين الخولي وقتل القديم فهمًا

القاهرة: «رأي الأمة»

«أول الابتكار قتل القديم في الفهم» شعار تبناه الشيخ أمين الخولي في الثلاثينيات، ليصبح أحد رواد الابتكار في مصر والعالم العربي. وتتلمذ عليه عدد من رواد العلم المحدثين، مثل شكري محمد عياد، ومحمد أحمد خلف الله، وعائشة عبد الرحمن، ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم. الحفاظ على مكانتهم وألقابهم.

جمع أمين الخولي بين الاتصال بالحضارة الغربية ومناهجها في الدراسة والبحث والدراسة العربية والدينية، حيث تخرج من مدرسة القضاء الشرعي، وسافر إلى أوروبا، وأتقن الإيطالية والألمانية، وقرأ الكثير من أدبهما، وتعرف على نفسه مع حركة الاستشراق ومناهج مؤلفيها في الدراسة.

وأهم ما دعا إليه الخولي كان في مقالته “التفسير اليوم” التي اعتمد فيها كثير من الباحثين والعلماء على منهجه الأدبي في التفسير، والذي نشر عام 1944، ليحدد منهج أمين الخولي في تفسير القرآن الكريم والدعوة إلى دراسته دراسة موضوعية بحيث يتم جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد ثم دراستها وتفسيرها معا. مراعاة المعنى القرآني في استعمال المادة الواحدة، مع الدعوة إلى مراعاة التفسير التاريخي بينما ترك السلف التفاسير مرتبة ترتيبا زمنيا. ويقول الشيخ أمين الخولي في هذا الصدد: إن القرآن – كما هو معروف – لم يكن مرتباً على موضوعات ومسائل، فيفصل كل شيء منه في سورة أو سورة مجموعة. وما ورد فيه عن هذا الموضوع أو تلك المسألة… القرآن كان مختلفاً عن كل هذا، فقدم موضوعات كثيرة ولم يجمع واحداً منها على وجه الخصوص، فتجتمع بدايته مع نهايته، يتعثر في مكان محدد… لكنه تناثر إربا، وتفرق إلى أجزاء، فالحكم التشريعي في أكثر من مكان، وقد عرض عليه أساس الاعتقاد أكثر من مرة، وتوزعت القصة مشاهد ومناظر في عدد من المواضع، وهكذا تقرأ في السورة الواحدة فنون الكلام، وتمر بألوان مختلفة الأغراض. بعد ذلك يؤكد الشيخ أمين الخولي أن تفسير القرآن سورة سورة أو جزء بجزء، فلا يمكن فهم معانيه ومقاصده فهما صحيحا، إلا إذا توقف المفسر عند الموضوع واستكمله في الجزء. القرآن، فيعيد بدايته إلى نهايته ويفهم خلفه مع سلفه، ليختتم من هذا المنطلق بالقول: «إن ترتيب القرآن في القرآن قد ترك وحدة الموضوع ولم يتمسك». إليها على الإطلاق. ولم يتم الحفاظ على الترتيب الزمني لظهور الآيات أبدًا، واختلف النقاش حول الشيء الواحد والموضوع الواحد في سياقات متعددة ومواقف مختلفة، وظهر في ظروف مختلفة. وكل هذا يتطلب بوضوح أن يتم تفسير القرآن موضوعاً موضوعاً، وأن نجمع الآيات المرتبطة بموضوع واحد. جمع إحصائي شامل، ومعرفة ترتيبها الزمني والمناسبات والظروف المحيطة بها، ثم النظر إليها بعد ذلك لتفسيرها وفهمها، ليكون التفسير أقرب إلى المعنى وأوثق في تحديده.

وهذا التفسير الموضوعي قد أشار إليه غير واحد من السلف، أو ما يسميه البعض “أسلاف الأمة”، كما أشار إليه محمد بن إبراهيم الخطابي (ت 388هـ) في رسالته “البيان في الشرع”. “إعجاز القرآن” أن الله تعالى يوجب طاعة العباد من العلماء المجتهدين بجمع جزء القرآن الكريم وتنزيله وترتيبه. ثم نجد محاولة تمهيدية وموسعة للتفسير الموضوعي في دراسة ابن القيم (ت 751هـ) لموضوع “القسم” في كتابه “التبيان في أقسام القرآن” الذي جمع فيه آيات موضوع القسم من خلال عرض القرآن الكريم وتفسيرها تفصيلاً وتحليلاً. ثم بعد ذلك في العصر الحديث وظهور مدرسة الإمام محمد عبده واستحضارها لفقه الإمام الشاطبي والتفسير المقاصدي الاجتماعي، وتوظيف التفسير وتفعيله في الإصلاح الديني والنهضة الثقافية. وهذا ما يؤكد قول أمين الخولي الذي أصدرناه في عنوان “بداية التجديد قتل القديم في الفهم”.

ومن هنا أسس الخولي مدرسة التفسير الأدبي للقرآن، التي تعتمد على القرآن الكريم “أعظم كتاب عربي وأثره الأدبي العظيم” في التعامل مع القرآن باعتباره كتابا أدبيا متفوقا. نص. وهنا فقط يتحقق التفسير الموضوعي، أي النظر إلى القرآن بأكمله كموضوع واحد هو النص الأدبي أو النص الأدبي الذي يهدف إلى التأثير العاطفي. الخبر ليس عن الواقع، بل هو فن أدبي معجزة بهدايته النفوس وتأثيره العميق بجرسه وإيقاعه، ببنيته ومعناه، وأثره في النفس الإنسانية بحاجاتها المتغيرة واستجاباتها مع التغير. في الزمان والمكان.
الخولي يؤكد على العنصر النفسي. وبينما احتلت البلاغة وجمالياتها مكانتها في تناول النص الأدبي، أكد الخولي في تجديده للبلاغة على تحررها من الفلسفة وترك مجالا لعلم النفس ليبدأ بمخاطبة النفس الإنسانية والحس الجمالي، وبالتالي تثقيف الذوق والضمير. ودراسة بلاغة إعجاز القرآن هي دراسة معيارية اللون. وحسن القول إن الخولي كان من رواد اللغة العربية الذين تعرضوا لعلاقة علم النفس بالبلاغة والأدب، ونظرا لارتباط القرآن الكريم الوثيق بحياة الإنسان ومتطلباته. ومواجهات الواقع، وهذا البعد النفسي يتوافق مع البعد الاجتماعي، وهو مفيد في منهج التفسير عند أمين الخولي الذي أطلق على البعدين. معًا «دراسة لما يدور حول النص». وهكذا يصف الخولي نظريته في التفسير الأدبي بأنها: “نوع من التفسير النفسي والاجتماعي المستمد من المعنى اللغوي والجو الأدبي للقرآن”.
أما تطبيق هذه النظرية في التفسير فيمكن رؤيته في التفسيرات على المستوى الثقافي العام وعلى المستوى الأكاديمي الخاص. أما على المستوى الثقافي العام فقد أطلق الشيخ أمين الخولي أكثر من خمسين حلقة إذاعية منذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي خصصها ليقدم للمستمعين مناهج تفسير القرآن أو فهمه أو تفسيره تحت عنوان “من هدى القرآن” يعتمد على عرض المواضيع القرآنية وليس الآيات المتسلسلة طوليا. ويناقش موضوع الاشتراكية والرأسمالية، رافضا ربط الإسلام بأي منهما، مؤكدا أن ما ينقله القرآن الكريم هو المثالية وليس الطائفية.
أما على المستوى الأكاديمي، فتشهد على ذلك الحالة الشهيرة لرسالة الدكتوراه “فن السرد في القرآن” لطالبه محمد أحمد خلف الله، والتي رفضت الجامعة المصرية الموافقة عليها أو منحها لصاحبها، مما أثار ضجة كبيرة. معركة كبرى مع الجامعة دفاعاً عن حرية الفكر.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: خليجيون 

 

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading