فن ومشاهير

حنان أبو الضياء تكتب: مليحة فسيفساء إنسانية عميقة

القاهرة: «رأي الأمة»

وتسلط الدراما التليفزيونية “مليحة” الضوء على الارتباط الوثيق بين مصر والقضية الفلسطينية منذ البداية وحتى الآن. واستخدم المخرج عمرو عرفة لقطات أرشيفية توثيقا لما حدث هناك من اضطهاد وإبادة جماعية وسط مواقف دولية مخزية، وكدليل مزدوج ضد الصهاينة وإشارة إلى موقف مصر المشرف.

تلك البدايات، من خلال استخدام أسلوب الراوي بين الحفيد والجد، حملت للمشاهد هذا التأثير العاطفي المؤلم الهائل لقصص الفظائع التي كانت قائمة منذ زمن طويل، والقصص التي رويت عن هرتزل والإسرائيليين. الكتاب الأبيض ووعد بلفور والقراران الأمميان 181 و242 وتبعات ذلك على مصر منذ الحرب. 1948، والعدوان الثلاثي 1956، ونكسة 1967. وقد قدمت التوترات مع كل حلقة موضوعا أوسع، أو قصة أكبر، مع القدرة على التأكيد على نطاق التركيز على أهوال ما حدث سابقا والمستمر حتى الآن. وسرعة التعامل مع هذه التواريخ المهمة زادت من القيمة الكامنة في هذا النوع من اللقطات.

يعيد مسلسل مليحة كتابة زمن سرد ما حدث في فلسطين من قبل، ولكن ضمن زمن ما يحدث الآن. لا شك أن «التحول الزمني» أساسي لفهم القضية، وهو أسلوب استخدمته الكاتبة رشا الجزار في البناء الدرامي للعمل. كان المخرج قادرًا بسهولة على دمج اللقطات الأرشيفية المتناثرة مع الرؤى الدرامية لتسلسل أحداث المسلسل.

واعتمد عمرو عرفة على أسلوب التوازي بين العائلة مع القضية الفلسطينية وابنتها مليحة، والأسرة المصرية وابنها المقدم أدهم، مستخدماً العناصر البصرية والسردية لخلق روابط بينهما، بالإضافة إلى التأكيد على النزعة الصهيونية. الاحتلال وما حدث لمصر والعالم العربي منذ سقوط العراق.

واستخدمت الإضاءة وزوايا الكاميرا لخلق إحساس بالاستمرارية والتماسك من خلال تفاصيل ما يحدث في العالم العاري ومصر عام 2012 وفكرة العودة التي تسيطر على كل فلسطيني غادر أرضه. تمكنت الحبكة الدرامية من خلق روابط بين الشخصيات والأحداث المختلفة في المسلسل، من حب أو خسارة أو فداء. غالبًا ما تتشابك التقنيات داخل عوالم السرد، لكن تطبيقاتها المحددة وتأثيراتها المقصودة تختلف، مما يثري السلسلة بطرق مقنعة بشكل فريد.

ليجمع بين تجارب مليحة الشخصية في زمن الانتفاضة الثانية وخروج عائلتها من غزة وصراعاتها على المستوى النفسي، وما يحدث في مصر 2012 والحرب على الإرهاب من خلال شخصية المقدم أدهم، وتتقاطع المشاهد، ليتزامن ما حدث مع البطلة في ليبيا وتعرضها للمليشيات المسلحة هناك، ومقتل والدتها. أبها، ومواجهة المتطرفين على الحدود الغربية لمصر، عبر توافق الزمان وفي أماكن مختلفة.

بينما كان ضابط الجيش أدهم يودع عائلته استعدادا لسفره إلى العريش التي نقل إليها مؤخرا، يحدث انفجار قوي في المنطقة التي تعيش فيها الفتاة الفلسطينية مليحة، التي نزحت مع عائلتها إلى ليبيا منذ الانتفاضة. مما يملؤنا الشعور بأن الهدف واحد وهو السيطرة على العالم العربي وتقسيمه. وسقوط مصر .

تلك هي الحقائق التي بنيت حولها أحداث شخصيات المسلسل، لتتشابك مصائر شخصياته في سيمفونية إنسانية يقدمها عمرو عرفة، ولزيادة التوتر الواضح الذي يتسم به الوضع عندما يكون أهل الحي متوترين. نازحون بعد حدوث انفجار كبير، ويقررون الهروب إلى مصر، ويصعد معهم إرهابي الحافلة ويضع متفجرات. لكن الضابط أدهم يكشف الأمر قبل أن تنفجر الحافلة وينقذ الجميع.

من خلال القطع بذكاء بين تسلسلات الحياة اليومية لعائلة مصرية وقلق وحزن عائلة فلسطينية، فإن هذه الرواية الدرامية لا تزيد من التشويق فحسب، بل تثري العمل نفسه أيضًا، مما يوفر نظرة أعمق لمشاكل أبطاله، ووضعهم فعلياً على حافة الذروة، حيث ينجح أدهم في إيقاف… الهجوم الإرهابي على الحدود، واستشهاد مجموعة من الجنود، ونقل أدهم إلى المستشفى بعد إنقاذ جد مليحة.

وعندما يموت جد مليحة في المستشفى، وتتقوى العلاقة بينها وبين أدهم الذي يحاول تقديم يد العون لها ولأسرتها، نجد على الجانب الآخر من الرواية الجميع يحتفل بعيد ميلاد شقيق أدهم، والأم محاولة نوال إخفاء إصابتها بالسرطان عن عائلتها، لتدخلنا رشا الجزار داخل التقلبات العاطفية التي تعيشها الشخصيات.

في الواقع، الجانب الأهم في هذا العمل هو عدم المبالغة بشكل مصطنع في الثقل العاطفي لذكريات طفولة مليحة، فكل فلاش باك يثير سؤالاً عن ذكريات الماضي التي تكشف جزءاً من رحلتها المؤلمة، وجوهر المصير تجاهها. التي تتجه إليها. وهذا لا يعمق ارتباطنا بالشخصية فحسب، بل يعزز أيضًا تشويق السرد، مما يجعل كل مشهد أكثر تأثيرًا.

وتثري قصة كل شخصية من الشخصيات الأخرى المسلسل، لتصوغ نسيجاً من المصائر المترابطة لمن يحلم بالهجرة والخروج من الوطن، ممثلة بشخصية الأخ “علي”، ولمن يحلم بتحمل كل شيء في من أجل العودة إلى أرض الوطن “مليحة”. وتتحول تجربتهم الجماعية إلى فسيفساء عميقة من الأحلام. واليأس، كل هذا تجمعه شخصية أدهم، الذي يمثل في الواقع رمزياً الدور الذي تلعبه مصر وجيشها لتحقيق الاستقرار في العالم العربي ودعم القضية الفلسطينية.

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مصدر المعلومات والصور: youm7

 

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading