مقالات

د. علي عزيز أمين يكتب : أُمة المجد في غزة

د. علي عزيز أمين يكتب : أُمة المجد في غزة

• أن ممارسات إسرائيل قد تعجّل بمعركة “أرمجدون”، بنهاية مغايرة للتفسير اليهودي، وسيسبقها على الأرجح السبي البابلي الثالث انتقاما للشهداء والمعذبين الفلسطينيين…
تشير نوايا العدو بشكل ساطع انه سوف يتابع عملياته الدموية “عربات جدعان” في محاولة للسيطرة التامة على غزة، وتدمير ما تبقى من مباني خان يونس وتسويتها بالأرض كما حصل في رفح سابقاً.، وذلك استكمالا للإبادة الجماعية التي أثبتت أن كبار المسؤولين في دول العالم صمٌّ عميٌّ بكمٌّ، وهم للأسف يفقهون ويعرفون ويتجاهلون.
فالسياسات المتّبعة لا تستمر وحسب، بل وتتزايد قسوة ووقاحة ودموية، حيث يستمر قتل المدنيين للتشفي والترويع.. وتستمر سياسة التجويع لإرضاء السادية ودفع الناس عنوة للهجرة، ومن ثم حصر القلة التي تبقى على قيد الحياة من السكان في بقعة صغيرة جنوب غزة تحت اسم غزة الصغرى، وهي مكان توزيع المساعدات الغذائية المُقيدة بشروط صعبة بل تعجيزية لتنفير حتى هؤلاء، وجعلهم أمام أمرين “أحلاهما مرُّ” وهما: العيش البائس الذليل، أوالهجرة التي يمكن أن يطلق عليها “الطوعية غصبا”.
وهناك أمر بات واضحا منذ أمد بعيد، لكنه اليوم أكثر من ساطع وهو أن لا أمل بالمفاوضات، وإسرائيل تعمل تحديدا على جعل صفقة تبادل الأسرى جنينا ميتا لا بد من إجهاضه، الأمر الذي يؤكده تعيين المتطرف ديفيد زيني رئيسا جديدا للشاباك، وهو من أنصار نتنياهو عدا عن كونه من أتباع الصهيونية المتدينة، وقد صرّح علناً بأنه لا يريد تحقيق أية صفقة لتبادل الأسرى وإنهاء الحرب، بل أن تكون حسب رغبته حربا أبدية. وبات واضحا أيضا أن العدو الصهيوني لا يبدي أي اهتمام لموقف الغرب الذي بدأ يعبر عن معارضته لهذه الحرب التي يذهب الشعب في غزة ضحيتها يوميا، كما أنه يرمي بنصائح شركائه الامريكان عرض الحائط رغم ظهور بوادر خلاف شخصي بين نتنياهو وترمب، حتى أن نتنياهو وأنصاره لم يعودوا معنيين بآراء وتقديرات الجنرالات والاعلاميين والمفكرين والسياسيين المعارضين لخططهم الجهنمية، ويسدّون آذانهم حتى لا يسمعوا هتافات مئات الألاف من الشرفاء الذين يخرجون بمظاهرات منددة بهذه الحرب في معظم عواصم ومدن العالم، وقد نسيّ الصهاينة منذ أمد طويل أن هناك قانونا دوليا وشرائع سماوية وتقاليد إنسانية في المجتمع البشري.
في غضون ذلك لا يُستثنى احتمال قيام العدو بتوجيه ضربات للبرنامج النووي والصاروخي الإيراني بهدفين: الأول اشغال الرأي العام الذي وصل إلى ذروة غضبه ضد الحرب في غزة، والانتقام من إيران ومحاولة إضعافها بغض النظر عن مدى احتمال سواء نجاح أو فشل المفاوضات الأمريكية الايرانية.
من هنا يغدو صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة عنصرا بالغ الأهمية من شأنه أن يساعد في افشال نوايا ومخططات العدو الصهيوني، خاصة أنه بات واضحا أن لا أمل بظهور موقف عربي أو اسلامي او دولي فعّال وعملي للوقوف بوجه نتنياهو ومنعه من الاستمرار بنهجه المدمر الحالي، وأميل إلى الاعتقاد بأن ادانات بعض الدول الأوروبية لهذه الحرب وتهديدها بفرض عقوبات على إسرائيل، هي في الواقع مجرد مساحيق لتغيير ملامح بعض الوجوه في المشهد القادم من هذه المسرحية الحقيرة.
ويلفت النظر بشكل مؤلم أن اليمين الديني القومي الإسرائيلي أعلن في نهار يوم ٢٦ أيار سقوط الوصاية الاردنية على المسجد الأقصى، حيث قام المتطرف بن غفير ومعه أكثر من 2000 من الحريديم باقتحامه، وأقاموا ما يعرف برقصة الأعلام، وذلك في ذكرى احتلال مدينة القدس، ففي هذا اليوم حسب طقوسهم الدنيئة يتم سب وشتم النبي محمد، ناهيك عن توجيه الإهانات للعرب والمسلمين بمختلف الألفاظ النابية البذيئة، وقد علا صوت إمام وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة منذ اللحظات الأولى لهذا الفعل الشائن بمناشدة العرب والمسلمين بالخروج ولو بموقف بسيط جدا، ولو بتظاهرة تنديد، لكنه سرعان ما أدرك أن لا حياة لمن ينادي، فيما كانت تصدح في باحات الأقصى هتافات الصهاينة “الموت للعرب الموت للإسلام”، وذلك بحماية الشرطة الإسرائيلية التي منعت الصحفيين من التصوير وتغطية هذا العمل العنصري الدنيء، والذي يتضمن عمليا تهويد الأقصى استكمالا لإعلان إسرائيل دولة دينية يهودية، ولم يكن صدفة أن يدعو بن غفير سيء الصيت هذا لرفيق دربه ديفيد زيني بالتوفيق والنجاح في منصبه كرئيس جديد للشاباك على مبدأ “وافق شن طبقه”! ويبدو واضحا أن الصمت العربي والإسلامي -مع استثناءات قليلة كمظاهرات التقدميين الوطنيين في تونس لنصرة أهالي غزة- ساعد ويساعد وشجع ويشجع الصهاينة على أن يفعلوا ما يشاؤون، ألم يكن من الأفضل أن يتم إيقاف الاتفاقيات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني، بدل التوسع بالتطبيع الذي يوحي بأن أصحاب القرار في العالم العربي موافقون على ما تقوم به إسرائيل من حرب إبادة ضد الفلسطينيين، هذا الصمت العربي شجع مجرم الحرب نتينياهو كي ينشر فيديو وهو يقف في نفق تحت المسجد الأقصى متحدياً ومستهتراً بمشاعر المسلمين جميعاً، وهو يتوعد بالكشف عن “هيكل سليمان” -الذي دمره الملك العراقي نبو خذ نصر الثاني عام 587 قبل الميلاد- والذي يزعم اليهود ان الهيكل يقع تحت المسجد الاقصى، ولم يكن أمام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سوى أن يُحمِّل الحكومات الإسلامية المسؤولية الكاملة تجاه انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه في المسجد الأقصى، إن إسرائيل لا تدري كما يبدو أن ممارساتها قد تعجّل بمعركة “أرمجدون” بمدلول إنساني آخر معاكس للتفسير اليهودي، حيث سينهزم فيها الصهاينة، بل سيسبقها على الأرجح السبي البابلي الثالث انتقاما للشهداء والمعذبين الفلسطينيين، وسيشارك فيه كل أحرار العالم على مبدأ آن يوم الحساب “يداك أوكتا وفوك نفخ”…
إن مناظر آلاف الجوعى الفلسطينيين التي تُعرض على شاشات العالم أمر مذهل حقا، حين اضطرت هذه الجموع إلى اقتحام مركز توزيع المساعدات لأهالي غزة في مشهد غير عادي بعد اضطرار الأهالي للسير عشرات الكيلومترات نحو المعسكرات في جنوب غزة للحصول على مساعدات ضنينة، هذا الاقتحام الغاضب دفع إلى هروب الأمريكيين والصهاينة المسؤولين عن التوزيع، هو الشرارة الأولى لانتفاضة شرفاء العالم، والتي قد ترهص للسبي الثالث، وهي في الوقت نفسه إدانة للضمير البشري الصامت.
أنا واثق من أن أمثال نبو خذ نصر موجودون بين أبناء الشعب الفلسطيني العظيم، وهم يعبرون عن أنفسهم بين حين وآخر بصمودهم وتحديهم الأسطوريين، وهم سيتابعون المسير في نضالهم هذا حتى تكريس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القس الشريف.
هناك أمة المجد الحقيقي في غزة!


اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من رأي الأمة

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading