التصنيف: مقالات

تصفح مقالاتنا واستمتع بمعرفة جديدة وتجارب مثيرة.

  • جيمي كارتر: صوت العدالة والإنسانية للقضية الفلسطينية

    د. أروى محمد الشاعر

    في زمنٍ اختفت فيه الأصوات العالمية التي تدافع بجرأة عن المظلومين، برز جيمي كارتر كواحد من القادة الذين جعلوا من العدالة والإنسانية منهجاً لحياتهم. لم يكن كارتر مجرد رئيس سابق للولايات المتحدة، بل كان أيقونةً للصدق والمبادئ الأخلاقية، وخصوصاً في دفاعه الثابت عن حقوق الشعب الفلسطيني.
    في عام 2006، أحدث كارتر زلزالاً في السياسة العالمية عندما أصدر كتابه” فلسطين: السلام لا الفصل العنصري” وصف فيه الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه نظامٌ من الفصل العنصري يشبه نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، وكتب بشجاعة:
    “ما يحدث للفلسطينيين ليس فقط مأساة إنسانية، بل وصمة عار على جبين الإنسانية كلها”.
    كان هذا الكتاب بمثابة دعوة للاستيقاظ للمجتمع الدولي الذي اعتاد التغاضي عن الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين. تحدث فيه عن الجدران التي تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم، عن نقاط التفتيش التي تمتهن كرامتهم، وعن المستوطنات التي تلتهم أراضيهم بلا رحمة.
    وأضاف:
    “لا يمكن أن نغض الطرف عن واقع أن الفلسطينيين يعيشون تحت احتلال عسكري وحشي، يفقدون فيه كل يوم أبسط حقوقهم الإنسانية”.
    بهذه الكلمات، حطم كارتر حاجز الصمت الذي ساد لعقود، وأثبت أن الحقيقة، مهما كانت مرّة، لا يمكن دفنها.
    كارتر لم يكن رجلاً يكتفي بالكلمات. خلال زياراته المتكررة للشرق الأوسط، كان يصر على لقاء الفلسطينيين في مخيماتهم ومنازلهم المدمرة. في إحدى زياراته لغزة، بعد العدوان الإسرائيلي عليها، وصف ما رآه قائلاً:
    “إن غزة أشبه بسجن مفتوح، حيث يعيش الناس في معاناة يومية تفوق التصور”.
    لم يكن كارتر يخشى توجيه اللوم لمن يستحقه. في إحدى تصريحاته الشهيرة، قال:
    “إسرائيل، كقوة احتلال، تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن إنهاء معاناة الفلسطينيين. أي تأخير في ذلك يزيد من الظلم ومن تعميق الكراهية”.
    في وقتٍ كانت فيه الدعوة للحوار مع حركات المقاومة الفلسطينية تُعتبر محرمة سياسياً، جاهر كارتر برأيه قائلاً:
    “لا يمكن تحقيق السلام بدون التحدث مع جميع الأطراف، بما في ذلك حماس. لا يمكن أن نتجاهل الملايين الذين يمثلهم هؤلاء”.
    كان هذا الموقف تحدياً واضحاً للمواقف الغربية التقليدية التي ترفض التعامل مع أي جهة فلسطينية لا تتماشى مع شروطها.
    ليس من المدهش حقًا أن نقرأ اليوم عن مدى حب الناس لجيمي كارتر، خاصة بين الأجيال الشابة. في زمنٍ تطغى فيه النزاعات والتعصب، يقف كارتر كشخصية نادرة تستحق الإعجاب. يُشاد به الآن، ليس كرئيسٍ سابق فقط، بل كرمزٍ عالمي للإنسانية.
    أصبح الشباب اليوم يقدّرون إرثه العظيم كمدافع عن العدالة وحقوق الفلسطينيين، وهذا يثبت في النهاية حقيقة عميقة:
    “كون المرء إنسانًا أفضل هو أكثر أهمية وقيمة من أي منصب أو سلطة”.
    لم يكن كارتر مجرد سياسي، بل كان إنساناً حقيقياً يعبر عن تعاطفه بصدق. من خلال مؤسسته “مركز كارتر”، دعم مشروعات تهدف لتحسين حياة الفلسطينيين، مراقبة الانتخابات، وتقديم تقارير شجاعة عن الانتهاكات التي يتعرضون لها.
    قال ذات مرة:
    “إن إيماني المسيحي يحتم علي الوقوف مع المظلومين، والفلسطينيون هم من أكثر الشعوب مظلومية في عصرنا”.
    نفتقد اليوم جيمي كارتر كرجلٍ ناصر الحق الفلسطيني في عالمٍ غابت فيه المبادئ. نفتقد شجاعته في قول الحقيقة في وجه القوة، وإنسانيته التي جعلته يرى الفلسطينيين ليس كأرقامٍ في تقارير، بل كبشرٍ يستحقون الحرية والكرامة.
    ترك لنا كارتر إرثاً غنياً بالكلمات والمواقف، ولكنه ترك أيضاً واجباً علينا: أن نستمر في النضال من أجل العدالة، تماماً كما فعل هو. وكما قال:
    “إن السلام الحقيقي لا يأتي من القوة، بل من العدالة. وعندما يتحقق العدل للفلسطينيين، سنرى العالم كله يتحرك نحو سلامٍ دائم”.
    سنفتقدك يا كارتر، لكن صوتك سيبقى في وجدان كل من يحلم بالحرية والعدل.

  • رسالة محبة إلى إخوتنا المسيحيين في سوريا: يعانق الهلال الصليب في عيد الميلاد المجيد

     

    د. أروى ممد الشاعر

    أكتب هذه الكلمات بصدق ومحبة، استجابةً لما ألمسه من مخاوف لدى بعض إخوتنا المسيحيين في سوريا بعد التغيرات الأخيرة التي أطاحت بنظام الأسد. لقد نشأت دعاية مضللة تحاول أن تخيف المسيحيين من الإسلاميين الذين جاءوا إلى الحكم، مستخدمةً أساليب التفرقة والتخويف لتقويض اللحمة الوطنية التي ميزت سوريا عبر تاريخها.
    تاريخ سوريا مليء بالشواهد التي تؤكد على الوحدة الوطنية. من العصر الأموي، الذي ازدهرت فيه دمشق وأصبحت منارة حضارية للعالم، إلى العصر الحديث الذي وقف فيه المسلمون والمسيحيون الذين هم جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع معًا في وجه الاحتلالات والتحديات، كانت سوريا دائمًا رمزًا للوحدة. نذكر هنا الدور الكبير الذي لعبه المسيحيون في النهضة العربية، وأمثلة مثل المطران غريغوريوس حداد الذي لقب بـ”بطريرك العرب” لدعمه وحدة الأمة. كان رمزًا للتآخي بين المسلمين والمسيحيين في بلاد الشام. خلال المجاعة التي اجتاحت المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى، فتح أبواب البطريركية في دمشق لإطعام الجياع دون تمييز بين دين أو مذهب. عندما اشتكى أحدهم من كثرة المسلمين الذين يتلقون المساعدة، رفع البطريرك رغيف الخبز قائلاً: هل كُتب عليه للمسيحيين فقط؟، وعند وفاته عام 1928، شارك في جنازته حوالي 50 ألف مسلم ومسيحي.
       وإن الحقيقة الثابتة هي أن الإسلام، كما عرفناه وكما عاشه أجدادنا وآباؤنا على هذه الأرض المباركة، يدعو إلى التآخي، وينبذ الظلم، ويحترم الأديان وأتباعها. وأذكّر بأن شوارع دمشق، التي كانت دائمًا زينة المشرق، ما زالت اليوم مزدانة بعيد الميلاد المجيد، وهذا دليل حي على أن سوريا لن تكون يومًا إلا وطنًا للجميع.
    كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خير مثال للتسامح والرأفة في تعامله مع أهل الكتاب. فقد عقد صلحًا مع نصارى نجران، أقر فيه حريتهم الدينية وحماية كنائسهم وممتلكاتهم، وجاء في نص الاتفاقية: “ولهم ذمة الله وذمة رسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته.” وقال في خطابه لهم: “ولن تُهدم كنيسة، ولن يُخرج قسّيس من كنيسته، ولن يُجبروا على دينهم.”
    وقال في حديثه الشريف: “من آذى ذميًا فقد آذاني، وأنا خصمه يوم القيامة” لافتًا إلى أن العالم يجب أن يعيش في أمن وأمان.
       إن القرآن الكريم يمجد السيد المسيح عليه السلام ويمنحه مكانة عظيمة. يقول الله تعالى:
    ﴿إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَـٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍۢ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًۭا فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْـَٔاخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ﴾ (آل عمران: 45).
    كما قال الله سبحانه وتعالى:
    ﴿وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةًۭ وَرَحْمَةًۭ﴾ (الحديد: 27).
    وفي ذكر الإنجيل يقول الله:
    ﴿وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًۭى وَنُورٌۭ وَمُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِۦ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَهُدًۭى وَمَوْعِظَةًۭ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة: 46).
    كما قال تعالى في سورة المائدة:
    ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: 32).
        ومن المواقف التي تبقى شاهدة على عظمة الإسلام وتقديره للمسيحيين، قصة الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما دخل بيت المقدس. فقد دعاه البطريرك للصلاة في كنيسة القيامة، ولكنه رفض قائلاً: “إذا صليت هنا، ربما يأتون يومًا ويقولون: هنا صلى عمر، فيأخذونها منكم.” فاختار أن يصلي خارج الكنيسة، في موقف مليء بالحكمة والعدالة.
        كما أن الشعر شاهد على ذلك حيث قال الشاعر المسيحي جبران خليل جبران:
    “لكم دينكم ولي دين… ولكننا إخوة في الوطن.”
    وقال الشاعر السوري بدوي الجبل:
    “أنا سوريٌّ أجدادي الكرامُ
    بنوا المجدَ فوق هامِ النجوم
    أنا ابن العروبةِ أُهدي السلامَ
    إلى الصاحبِ الغريبِ الحميم
    فقلبي لا يفرقُ بين الخلائق… وكفي لكلِّ حرٍّ كريم”
        هذا الشعر يبرز الوحدة الوطنية والاعتزاز بسوريا كوطن يجمع الجميع بغض النظر عن الدين والطائفة.
       إخوتي المسيحيين، إن المخاوف التي تُزرع في القلوب اليوم ما هي إلا محاولة فاشلة لتفريقنا. الإسلام لا يهددكم، بل يحميكم، كما فعل دائمًا. وأعياد الميلاد التي تزين دمشق اليوم هي دليل على أن سوريا ما زالت تحتضن الجميع، فقد أثبت دائمًا أن المحبة أقوى من كل المتآمرين المضللين. ونحن اليوم نحتاج أكثر من أي وقت مضى أن نضع أيدينا معًا لنواجه تحديات الحاضر ونبني مستقبلًا مليئًا بالسلام والأمان.
    وفي هذه الأيام المباركة التي نستعد فيها للاحتفال بعيد الميلاد، أهنئكم من أعماق قلبي بهذه المناسبة السعيدة. وأدعو الله أن يأتي السيد المسيح عليه السلام بثوب التحرير، حاملاً معه بشائر السلام والمحبة، ليس فقط لسوريا بل لكل الشعوب المقهورة.
    نسأل الله أن يعم السلام وطننا الغالي، وأن تتحرر فلسطين الحبيبة، وأن يعيش أبناؤها في أمن وكرامة. سوريا كانت وستبقى نموذجًا فريدًا للتآخي، وسنظل نبنيها معًا على أسس الحب والإخاء. وكل عام وأنتم بخير، وسوريا بألف خير.

  • بين الانتقادات والممكن: هل تتجاهل الثورة السورية مواجهة إسرائيل؟

    د. أروى محمد الشاعر تكتب:

    إن الانتقادات التي تُوجّه اليوم لمن أسقطوا نظام بشار الأسد بحجة أنهم لا يقاتلون إسرائيل الآن تعكس فهماً سطحياً للواقع المعقّد الذي تمر به سوريا. هذه الانتقادات ليست سوى جزء من خطاب يطمح لتشويه صورة الثورة السورية وقادتها، متجاهلاً الحقائق الصعبة التي تفرض نفسها على الأرض. من ثورة خرجت على أنقاض نظام دمر الإنسان، وواجبها الآن التغلب على التحديات الداخلية التي خلفتها عقود من الاستبداد والفساد، فضلاً عن الحرب الطويلة التي مزّقت البلاد.

    إن الأولويات واضحة، تبدأ بإعادة البناء الداخلي قبل مواجهة التحديات الخارجية الكبرى. كيف يمكن فتح جبهة عسكرية مع الاحتلال الصهيوني الهمجي بينما ما زالت سوريا تُلملم أشلاءها وتستعيد بناء مؤسساتها على أسس وطنية جديدة، وتحتاج إلى إعادة بناء جيشها كي يستطيع مقاومة الاحتلال؟،

    هذا الإحتلال الذي باشر قصفه نتيجة تخوفه من وقوع السلاح بيد الثوار بعد أن كان مرتاحاً منذ عام ١٩٧٣ لعدم دخول النظام السوري معه بأي مواجهات عسكرية مباشرة لاستعادة هضبة الجولان المحتلة والذي كان محسوباً على محور المقاومة، وحتى عدم رد نظام بشار الأسد الذي كان مشغولاً بقمع شعبه على القصف الإسرائيلي المستمر إلى يوم رحيله.

    مثلما قال نزار قباني:

    “لا يمكن أن يكتب الشعرَ مَنْ يجهلُ تاريخَ السنابل”

    فكذلك أقول لمن ينتقدون: لا يمكن أن تُبنى الدول أو تخاض الحروب دون معرفة عمق الواقع الذي تعيشه الشعوب. أولئك الذين أسقطوا نظاماً استبدادياً مثل نظام الأسد يفهمون جيداً أن تحرير الأرض يبدأ من الداخل، في بناء الإنسان والمؤسسات.

    لعلّ الشاعر محمود درويش عبّر عن هذا المعنى في قصيدته “لا شيء يعجبني” عندما قال:

    “نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً”

    نعم، إن السوريين يحبون الحرية والاستقلال، لكنهم يعرفون أيضاً أن السبيل إلى ذلك يمر عبر التضحية والعمل المتواصل لبناء وطنهم من جديد.

    ما يجب الآن هو توحيد الصفوف واستعادة السيادة الكاملة على الأرض السورية. التاريخ يعلّمنا أن النصر في المعارك الكبرى يتطلب إعداداً متأنياً واستراتيجياً. تجربة الثورة السورية نفسها دليل حيّ على ذلك؛ فقد نجحت في مواجهة نظام قمعي بآلته العسكرية القمعية لأنها اعتمدت على شجاعة شعبها وإصراره، لكنها الآن تحتاج إلى فترة لإعادة ترتيب صفوفها قبل أن تواجه احتلالاً مثل الاحتلال الإسرائيلي. كما أنها تحتاج إلى وقت لإعادة الحياة إلى أزقتها وإحياء مجدها القديم قبل أن تنهض لمواجهة أي عدو خارجي.

    الحديث عن قتال إسرائيل اليوم دون اكتمال بناء المؤسسات السورية هو عبث استراتيجي. القوة التي تمكنت من إسقاط نظام الأسد تعلم جيداً أن الطريق إلى تحرير الأراضي السورية المحتلة يبدأ من الداخل. إعادة بناء الجيش السوري وجعله قوة وطنية صلبة هو الشرط الأساسي لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وطرده من الجولان ومن كل شبر محتل. كما قال شوقي:

    “وما نيلُ المطالبِ بالتمنِّي… ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلابا”

    إن الشعب السوري يدرك أن طريق التحرير طويل، وأنه لا يمكن تحقيق الانتصار من دون صبر وإصرار وعمل دؤوب لإعادة ترتيب الأولويات.

    إن بناء الأوطان هو عملية شاقة تتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى، وليس مجرد ردود فعل آنية.

    تاريخياً، هناك نماذج لحركات تحررية نجحت في مواجهة الاحتلال بعد أن أعطت الأولوية لبناء الداخل. النموذج الجزائري يُعتبر من أبرز الأمثلة في ذلك . الجزائر عانت لأكثر من قرن من الاحتلال الفرنسي الاستيطاني، وكان الاحتلال يسيطر على كل مفاصل الدولة ومواردها. لم تبدأ الثورة الجزائرية مباشرة بمواجهة شاملة، بل اعتمدت على العمل السري، وتنظيم صفوفها من الداخل، وتهيئة الأرضية لاستنزاف العدو. استطاعت جبهة التحرير الوطني توحيد القوى الشعبية وقيادة الكفاح المسلح على مراحل، إلى أن تحقق الاستقلال بعد تضحيات عظيمة. هذه التجربة تقدم درساً واضحاً: لا يمكن مقاومة عدو خارجي دون بناء قيادة داخلية قوية، وتهيئة الشعب ليكون جزءاً من معركة التحرير.

    أمثلة أخرى على ذلك تجربة فيتنام، التي لم تستطع مواجهة القوى الاستعمارية حتى عززت بنيتها الداخلية. وكذلك الأمر في جنوب إفريقيا، حيث ركز نيلسون مانديلا على توحيد شعبه قبل مواجهة نظام الفصل العنصري بشكل مباشر.

    يمكننا أيضاً أن نستقي العبرة من الشعب الفلسطيني، الذي رغم عقود من الاحتلال الإسرائيلي لم يتخلَّ عن قضيته، لكنه لم يكن يستطيع المواجهة الفعالة إلا عندما استجمع قواه ووحّد جهوده. تجربة المقاومة الفلسطينية تظهر أن التحرير هو عملية طويلة تتطلب إعداداً واستراتيجيات واضحة، وهو ما يدركه السوريون جيداً.

    كل هذه التجارب تؤكد أن التحرير يبدأ من الداخل. الشعب السوري، الذي صمد في وجه واحدة من أعنف الحروب في العصر الحديث، لديه القدرة على إعادة بناء دولته ومؤسساته لتكون قادرة على خوض المعارك الكبرى، عندما يحين وقتها.

    إن سوريا الأبية هي رمز للصمود والجمال والكرامة. هي التي لطالما قاومت كل محاولات النيل منها، ستكون في يوم من الأيام قوية ومستقلة. إن الدمع الذي يسيل من أعين محبي سوريا اليوم ليس إلا تعبيراً عن ألم الفقد، لكنه في الوقت ذاته يحمل وعداً بالنهوض من جديد. وكما قال الشاعر المتنبي في قصيدته:

    “إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ… فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”

    الشعب السوري لا يرضى بأقل من استعادة كامل حقوقه، أرضاً وسيادةً، وسيعيد بناء قوته ليطرد الاحتلال الإسرائيلي من كل شبر من أرضه، كما طرد من قبل الطغاة والمستبدين.

    كذلك، لا يمكننا أن نغفل البُعد الحضاري والتاريخي لسوريا، التي كانت على مدار آلاف السنين مهداً للحضارات، وشاهدت نهوضها بعد كل أزمة أو غزو. دمشق، التي وصفها أحمد شوقي بأجمل أبياته:

    “سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ… وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ”

    هي القلب الذي ينبض بالحياة، وقادرة على العودة إلى موقعها كعاصمة للصمود والثقافة والمقاومة.

    كما أن منارة التاريخ السوري تحمل لنا إشارات مضيئة بأن إرادة الشعوب الحرة لا تُهزم. سوريا، التي شهدت محاولات متكررة للنيل منها على مدار التاريخ، خرجت دائماً أقوى، وأكثر تمسكاً بقيمها وهويتها.

    لذلك، فإن الانتقادات الحالية التي تطالب بفتح جبهة ضد إسرائيل تتجاهل حقائق الواقع وأولوياته. إعادة بناء سوريا ليست مجرد حاجة ملحة، بل هي ضرورة استراتيجية لضمان أن المواجهة المقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي ستكون مواجهة حاسمة ومبنية على أسس قوية.

    إن سوريا الجديدة بجميع مكوناتها التي تميزها تاريخياً ستنهض وستعيد بناء جيشها، ومؤسساتها، تعيد إشراقها وتستعيد دورها كرمزٍ لمقاومة أي استبداد ومحتل، وستكتب فصلاً جديداً في تاريخها، حيث الحرية والاستقلال هما العنوان.

     
  • القوة الفاعلة في صناعة القرار السياسي المُنعكس على العلاقات الدولية “رؤية أنثروبولوجية”

     

    د. مها أسعد

    يمر صانع القرار كإنسان بتجارب سابقة في حياته، تؤثر بشكل كبير في عملية أتخاذ قرارات السياسة الداخلية وكذلك الخارجية تجاه الدول والقضايا المُشتركة التي تجمع دولته معهم، وان هذه التجارب الشخصية سوف يستفاد منها كدروس تجعله يعرف كيف يفسر سلوك الأطراف الأُخرى ويتعامل معها، وتتطلب معرفة التجارب السابقة لصناع القرار دراسة كُل شيء عنه من مرحلة الطفولة والتكوين الأجتماعي والتعليم كما وتتبع مسيرته الحياتية، لأن كُلها ستكون مُجتمعة مؤثرة عليه عند أتخاذ القرار السياسي في المسرح الدولي.
    يتأثر الدور الذي يلعبه صانع القرار بعدد من العوامل منها: البحث في التاريخ، إذ يلجأ بعض صُناع القرار للبحث في التاريخ، لمعرفة كيف تصرف القادة تجاه أزمات وقضايا مُتشابهة، من أجل التنبؤ بسلوك الأطراف الأخرى هذا من جانب، ومن جانب أخر لأجل التعرف على السلوك الأمثل الذي يمكن أن يتبعه؛ كما وان طبيعة الدور تتأثر بما يفكر به الأشخاص القريبون من صانع القرار، والذين يكونون مؤثرين بشكل كبير في تحديد سياسات وسلوك دولهم، من خلال تأثيرهم في صانع القرار وسياساته بحكم القرب والعلاقات المُتينة المؤثرة، أما بما يخص المُعيقات الرئيسية التي تُعيق ميدان العلاقات الدولية والسياسة الخارجية من تطوير التفسيرات والتنبؤات، يتمثل في تقاعس كثير من الأكاديميين في هذا الميدان عن النظر بجدية إلى الدور الذي تلعبه العوامل النفسية في صنع القرارات الفردية لصاحب القرار وبالتالي القرارات التي تخص العلاقات بين الدول، ويُعطي البحث في هذين المجالين الدليل على وجود تحيزات ممنهجة، وشائعة تعود إلى مُحددات معرفية وحاجات أنفعالية لدى مُتخذي القرار، وستظل الألغاز الكبرى من دون حل إذا لم نقم بدمج الإستبصارات النفسية في الأطر التحليلية التي نستخدمها لحل هذه الألغاز، وتمثل دراسة الجوانب النفسية للعلاقات الدولية جزءاً مهماً لأسباب عديدة منها أنها ترصد التفسيرات المُوقفية، كما إنها تُشخص سلوك الخصم، فضلاً عن إنها تُرغمهُ على القيام بأفعال أو التعبيرعن آراء لا تعكس حقيقة نزعاته، أو قيمه، أو تفضيلاته..
    أن الموقفية في العلاقات الدولية تأخذ أشكالاً متنوعة فكل ما هو فوق مستوى النزعات الفردية يكون موقفياً، حيث يُمكننا النظر إلى هذه الأنواع المُختلفة من الموقفية كشيء مشابه لدمية روسية (ماتريوشكا) يؤدي فتح جزء منها إلى جزء أصغر وهكذا..، فمثلاً عندما نفتح النظام الدولي نجد دولاً، وعندما نفتح الدولة نجد بيروقراطيات وعندما نفتح البيروقراطيات نجد جماعات، فهذا الخط ينقلنا من مستوى موقفي إلى مستوى موقفي آخر، ولكننا حين نأخذ الجماعات بعين الأعتبار نصل عند ذلك إلى مستوى الأفراد والنزعات، وعندما ننتقل عبر سُلم التحليل من النظام الدولي إلى الأسفل نصل إلى أشكال أقل عمومية من المواقف التي تؤثر في السلوك؛ حيث نجد نظريات موقفية تركز على البيئة الاجتماعية، ونظريات تتعامل بشكل أكثر مباشرة مع المُعيقات التنظيمية والبيروقراطية التي تؤثر في السلوك في السياسة الخارجية، وضمن الصنف الأخير من النظريات، كان لأعمال غراهام أليسون (Graham Allison) تأثيراً مميزاً، وخصوصاً كتابه الكلاسيكي الذي ألفه مع فيليب زيليكوف بعنوان جوهر القرار (Essence of Decision) وفي معرض الحديث عن المستويات المُختلفة للموقفية لا بد من الإشارة إلى أن ضغوط الجماعة تمثل مستوى موقفياً آخر، وعلى غرار والتز (Waltz) يفسر أليسون سلوك القادة تفسيراً موقفياً متجاوزاً أي أعتبار سيكولوجي، ولكن التشابه بينهما ينتهي عند هذه النقطة، ويعتمد أليسون وزميله زيليكوف (Zelikow) تفسيراً بيروقراطياً للسياسة الدولية يُشار إليه غالباً في أدب الموضوع بنظرية السياسة البيروقراطية حيث ينظر أليسون وزميله إلى سلوك صُناع القرار على أنه يتحدد في الغالب وليس حصرياً بالمواقع المعينة لهم داخل البيروقراطية، وتعتبر مقولة إن موقفك يعتمد على موقعك مقولة معبرة تماماً عن وجهة النظر هذه وبناء على ذلك، فإن وجهات نظر أولئك الذين يحتلون مواقع بيروقراطية، تصطبغ إلى حد بعيد برؤية الكيانات البيروقراطية التي يعملون فيها ورسالتها، فوزراء الخارجية يدفعون باتجاه المفاوضات الدبلوماسية، لأن هذه هي وزارة الخارجية؛ أما وزراء الدفاع فيدفعون باتجاه الحلول العسكرية التقليدية، الوقت ذاته يدعو ممثلو الـ سي آي أي (CIA) إلى القيام بعمليات سرية، غير أن هذا الجانب من نموذج أليسون وزيليكوف لم يحظ بأدلة داعمة في السنوات الأخيرة، لأنه يُهمل قوة الاعتقادات القائمة لدى الأفراد الذين يحتلون المواقع البيروقراطية المختلفة، والشخصيات والقيم الأخرى التي يمتلكونها، فعندما كان كولن باول رئيساً لهيئة الأركان أثناء حرب الخليج الأولى، كان آخر المتمسكين بالرأي المعارض للتدخل الأميركي، بينما دافع دين راسك بحماس عن تصعيد التدخل الأميركي في فيتنام؛ وفي كلتا الحالتين كان الموقف الفلسفي المُعلن يتعارض إلى حد كبير مع أدوارهما البيروقراطية (حيث كان کولن باول وزير دفاع وكان دين راسك وزير خارجية)، ويفيد كثير من النقاد أن الموقع البيروقراطي أو الموقف أقل دقة، كمتنبئ بالآراء المتصلة بالسياسة الخارجية من نزعات القادة الشخصية، ولكن تنبؤات هذه المقاربة تصدق أحياناً، فعلى الرغم من أن كولن باول كان يعارض غزو العراق عام 2003، ويؤكد ضرورة الأستمرار بالنهج الدبلوماسي إلا أنه بدى داعماً لقرار الحرب في ما بعد، مما يعطي دليلاً على صدق النظرية، لكن ما يبدو دعماً لقدرة النظرية على تفسير السلوك قد يأتي من قبيل المصادفة أو ضغوط الواقع، وما يمكن أن نقوله بشأن كولن باول هو أنه ظل متحفظاً بشدة على قرار الحرب بغض النظر عن الموقع البيروقراطي الذي كان يحتله.
    إِن أحد الأهداف المتوخاة من المُمارسة الأنثروبولوجِية بهذا الصدد هو توكيد أهمية معارف غير المُختصين وتبصراتهم وخبراتهم التي تسهم في إسباغ السلطة على أحكام السكان العاديين والذي يتوافق مع تحليل الخطاب الذي يُناقش كيف تقدم الجماعات فكرها بأسلوب يدعم وجهات نظرها ويعزز مصالحها وتأثيرها في عملية وضع السياسات وتنفيذها، وهنا يصعب أثبات العقلانية بالنسبة لأفعال صناع القرار لآن جميع القرارات التي يتم أتخاذها يتم تبريرها وفقاً للمصلحة العامة وضرورة حمايتها، فمن الناحية العلمية يتطلب تحديد الأهداف وتحقيقها من قبل صناع القرار أختيار أكثر الوسائل الملائمة لتنفيذها، وتحديد القيم والممارسات المُعينة والنتائج المُتوقعة منها من أجل الحديث عن سياسة خارجية أكثر توازن، وأخيراً يبقى الدور الشخصي لصانع القرار بمثابة المحدد أو العامل الأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية، من خلال تأثيرها في السلوك الخارجي للدول باعتباره نقطة البداية في العلاقات الدولية.

  • ميلاد جديد لسوريا وطن الحضارة والمقاومة وبشارة النصر القادم لفلسطين

     

    د. أروى محمد الشاعر

    ها هي سوريا اليوم تفتح صفحة جديدة في تاريخها، مكتوبة بمداد الكرامة ودماء الشهداء، ومكللة بأصوات أبنائها التي ما انفكت تهتف للحرية. لقد عانت سوريا من الاستبداد والطغيان، وجُرحت مدنها، ودُمرت حضارتها، وشُرد ملايين من أهلها. ومع ذلك، فإن هذا الوطن، منبع الفكر والثقافة، الذي صنع التاريخ وعلم الإنسانية، قد أثبت على مر العصور أنه وطن لا يعرف الانكسار. كان قدره دائماً أن ينهض من تحت الركام، كما تنهض العنقاء من رمادها، ليعيد للعالم دروساً في الصبر والإبداع والمقاومة.
    إن انتصار الشعب السوري على الطغيان شهادة على قوة هذا الشعب العريق، الذي لم تنحنِ هامته رغم الجراح. لقد أثبت السوريون أنهم أبناء وطن يمتد تاريخه إلى أعماق الحضارات، يحملون في دمائهم روح العزيمة التي لا تعرف الهزيمة. وكما قال الشاعر بدوي الجبل:
    “شعبٌ إذا ضربَ الحسامُ كبدهُ
    خابَ الحسامُ ولم تَخِبْ أحلامهُ.”
    لقد شهد العالم مأساة الشعب السوري، ولكنه شهد أيضاً صبره الذي تجاوز حدود الاحتمال. خرج ملايين السوريين تحت ويلات الحرب، ليحملوا إرث بلادهم في قلوبهم وعقولهم. وفي المنافي، لم يكونوا مجرد لاجئين، بل سفراء للحضارة السورية. عمالاً ومعلمين وأطباء، يزرعون بذور الحياة أينما ذهبوا، متشبثين بأحلام العودة. وكما قال الشاعر الكبير محمد الماغوط:
    “أنا مَن أجلسُ على حافة القبر
    وأزرَعُ في كفِّ الموتى وردةَ الأمل.”
    الشعب السوري، الذي عاش قروناً من الكفاح ضد الغزاة والطغاة، يدرك أن الحرية تُولد من رحم المعاناة. واليوم، بعد أن أشرقت شمس النصر، يبدأ أبناء هذا الوطن رحلة جديدة لإعادة البناء. سوريا، رمز الوحدة والتآخي، تقف لتقول للعالم: إنها ستعود أقوى مما كانت. ستعود دمشق مدينة الياسمين، وستنهض حلب شامخة بصناعاتها، وستعود حمص وحماة ودرعا وإدلب وكل شبر من أرض سوريا موئلاً للحضارة والسلام.
    وفي خضم هذا الفرح بالنصر، لا ننسى شعبنا الفلسطيني البطل، الذي تربطه بسوريا روابط التاريخ والجغرافيا والنضال المشترك. فلسطين، الجرح النازف منذ عقود، ما زالت تقاوم المحتل بإرادة لا تلين. إن ما تحقق في سوريا هو بشارة أمل لفلسطين، لأن بلاد الشام كانت وستبقى قلب المقاومة العربية.
    لقد كانت سوريا دائماً الحضن الدافئ لقضية فلسطين، وها هي اليوم ترسل رسالة أمل للشعب الفلسطيني بأن النصر لا بد أن يأتي، وسيعود الحق لأصحابه مهما طال الظلام. عودة الحرية إلى سوريا ليست مجرد انتصار لشعبها، بل رسالة لكل الطغاة أن الشعوب تنهض يوماً وتطالب بحقوقها. وكما قال نزار قباني:
    “سجل أنا عربي
    وأحمل على ظهري كفني…
    وأزرع أزهار الحرية في وطني.”
    إن سوريا تقول اليوم للعالم: نحن شعب الحياة والكرامة. ومن هنا تبدأ رحلة إعادة البناء، بأيدٍ تحمل الحب والسلام، وبقلوبٍ مؤمنة بأن المستقبل سيكون أجمل مما مضى. وستظل بلاد الشام رمزاً للوحدة، كما كانت منذ الأزل، تعيد للعروبة وجهها المشرق.
    وأختم قولي:
    يا شام، يا عطر المجد والأنين
    ومنارة شقت دروب الكبرياء
    يا قصيدة نبتت بين جرح وياسمين
    يا حلم تاريخٍ خُطّ على صفحات السنين
    يا سماءً زينتها قبابٌ من ضياء
    على كتفكِ يقف قاسيون شامخاً
    شاهداً على عبق الماضي وصبرك الحاضر
    حتى رأى اليوم نصركِ القائم
    وبردى يروي عن شامٍ قاومت بألف رواية
    وينثر الفرح على وجوه عاشقة
    يا شام، يا أرض الحضارة والأنبياء
    يبقى صباحكِ أفقاً للحرية ساطعاً
    وقصيدة عشقٍ للعالم ناشراً.

  • عالية محمد الشاعر تكتب : تقاسيم على أغنية شعبية

     

    في هذه الخاطرة تفسير لكلمة (دلعونا) برؤيا أدبية، دلعونا من أشهر الأغاني الشعبية التي يرددها أهل بلاد الشام، وكذلك يعرفها كثير من سكان الوطن العربي.
    هكذا أرى وأفهم علاقة الثائر الحُرّ بوطنه والعكس صحيح أي الوطن بئاثره، هما في حالة من الحب، الحنين، الشوق، والبحث الدائم عن بعضهما، في هذه العلاقة السرمدية المُبهمة والواضحة في آن يحسم الثائر الحُرّ موقفه من الموت، يصبح بالنسبة اليه مستساغاً يشبه الولادة والحياة لأن روحه سترحل حيث محبوبته عناة رمز الأرض، الخصوبة، الجمال والتجدد والتي تملك كل مقومات الخلود، وكذلك تتماهى برمزيتها في عقله الباطني مع مفهوم الحور العين اللواتي ورد ذكرهن في القرآن الكريم.
    يمه مويل الهوى يمه مويليا ريشتك يا ناجي العلي كانت ومازالت مرتينا تهزم الاستبداد والصهيونية.
    وعلى دلعونا وعلى دلعونا رأس حنظلة الولد العنيد شوك في حلوق السارقين، المجرمين، المحتلين، المعتدينا، وعناة مجنونها شامي هام على وجهه أيام وليالي في سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطيننا، والتقى بصبايا قلوبهن تفطّرت من أنين روحه المجروحة وفاضَ حزنه على نفسه من فراق المُحبينا، وهذه قصة ليس لها نهاية، بطلها شابّ شارك شجونه، أتراحه، أفراحه، وأشواقه، لكل الشباب الملتاعة، طلعته يتباهى بها الشمس والقمر ويشهدوا أن نورهم انعكس على وجه من أجمل وجوه البشر كيوسف الذي ذهبت ضحية حسنه أصابع نساء قصر الحضَرْ، وعناة عاتبت الصمت وازدادت كلاماً وباحت بأشجان بطلها الذي انظلم وهو الذي عزّا قيساً مردداً لست وحدك على ليلى مفجوعاً وأنا رحلت حبيبتي عنوةً عني وفقت يا قيسُ جنونك جنونا، فمن منا يرثي لحاله العرب وهم الذين أناحوا الصحاري والفيافي وأبدعوا في الرثاء كما في الغزل، وأشبعوا قصائدهم بالعواطف المأسورة المرَّنخةِ بغرام البوادي.
    ويا قارئي النبيه لعلك اكتشفت سر الجملة المختصرة بكلمة (عناة) وأصلها (دلّوني على عناة) وعناة ليس لها أهل أوعنوان لأنها شردت مع بدء الخليقة منذ أول لقاء بينها وبين بعلٍ القويّ في أرض كنعان، هذا اللقاء غمرَ الكونَ رهامَ غرام أغرقَ حكايا العشق الأبدية، وعناة هذه الحبيبة المتمردة العفيفة آثرت أن تفرض سلطتها على رغباتها، متنقلة كما يحلو لها بين السهول، المراعي، الجبال والوديان، جَذِلَةً منتشيةً بروعة الطبيعة، ويبقى الحبيب لاهثاً ورائها مستعذباً انشغاله بسر اختفائها، يبحث عنها وتبحث عنه في كل زمان ومكان، وهذه المختبئة منذ آلاف السنين بين تلافيف الدماغ ومخزون الذاكرة، جعلت من نفسها الأكثر غموضاً، فلربما أصبحت حوريةً غطست في بحر غزة أو اللاذقية أو بيروت، تارةً تظهر على السطح تُداعبُ الأمواج وتارةً تغوص عميقاً مُندهشةً مُتّخذةً حُلِّيها من عجائبِ القاع، أو ربما اختفت بين أشجار الزيتون أو أشجار الأرز الصنوبرية، أو سَرحتْ بين بيارات فلسطين لأنها تعشقُ لونَ الأرجوان في البرتقال وما فتأت تستنشقُ العطرَ الزكيّ دهوراً، ومن ثم ارتدت وشاحَ البهاء وتهادت مزهوةً على وقع دلال خطواتها، فزغردت لها الملكة بلقيس بحنجرة مرمرية أيقظت مفاتنها لِيستَفِقنَ الجنيات اللواتي غَفونَ بين أجمات الغابات في صلنفة وكسب ويسبحن بحمدالله (عَزَّ وَجَلَّ) خالق الكون البديع ، ليس كمثله شيء، الحكمُ، العدلُ، الذي يداول الأيام بين الناس، ليس لأحدٍ بعدَ مُلكهِ مُلكْ أو سلطان.
    عوداً على بدء، ومع تعاقب القرون والعصور، تحولت عناة هذه الأنثى الأسطورية إلى أغنية فلكلورية وأصبحت من أكثر النساء شهرةً، وتمايلت مختالةً بحسنها مستأثرةً بالأفق البعيد خاطفةً بعينيها أزهى الألوان ، وتوحدّت بتضاريس الأوطان، ولم يستطع أن يحظى بها معظم الخلاَّن لأنها رَهنتْ مشاعرها لأنبل الفرسان أصله من سلالة بني عدنان أو غسان أو ربما افتُتنتْ بفلاحٍ حميد الأخلاق، أصيل الطباع، نقي السريرة ، عذب اللسان، أثمرت يداه عن الأطايب فاضت بخيرها على بلاد الشام ومنها شمال فلسطين وجنوب لبنان، وخرَّ الكثيرون صرعى عند تخوم التَوقِ للحرية ومنهم الشهداء الأبرار، بينهم النساء، الأطفال، الشيوخ والشَبان، وانتشت عشتار بمواسم الخصب سمادُها أجساد البشر، وأرعدت السماء بكاءً، فذرفت العيون الدموع في قلب كل عاشقٍ ولهان سَمِعَ كيف ينتحبُ الوطن على فراق أبنائه.
    يمه مويل الهوى يمه مويليا رفرف وطار سرب الحمام فوق حوران ليَحُطَّ في درعا على قبر حمزه الخطيب الطفل الشهيد الذي كان شغوفاً بتطييره، ومع انسحاب الليل وحلول الصباح يهدل الحمام بأوراد الدعاء مع الرجاء لرب العباد أن يسودَ بالحكمة والسداد الخير العميم على قرى، بلدات ومدن الشام، ولسوريا الكبرى المعشوقة من غابر الأزمان ولدمشقها الفيحاء التي وصفها الرسول محمد (ﷺ) أنها خيرِ المدائنِ ، ولقدسنا الشريف المبارك ألفُ تحية وسلام لا ينقطعان ما توالى الدهر والزمان.
    على دلعونا على دلعونا حنظلة الولد العنيد كَبُرَ وشبَّ وعاد إلى فلسطيننا وصار عنده ذرية، بالإيمان والعلم هزموا غولَ الاستبداد وصرعوا وحش الصهيونية.
    يمه مويل الهوى يمه مويليا، أرضك ياشام موطئاً للفاتحين الأخيار، وهواكِ هبةً من الرحمن عطرهُ عَبقاً، ياسميناً، منعشاً للشرفاء الأحرار.

  • الظلال الأوكرانية .. في هجوم الفصائل الإرهابية على حلب

    بقلم د. أيمن أبو الشعر
    • التعاون بين نظام كييف والمنظمات الإرهابية في إدلب مستمر منذ زمن بعيد وكانت لهم مساهماتهم بالمسيرات في هجوم حلب
    -أسئلة موجعة
    مما ات شك فيه أن استيلاء الفصائل المسلحة “الإرهابية” على حلب كان ضربة قاسية ليس لسوريا وحدها، بل ولحلفائها وبشكل رئيس روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهذا يطرح عمليا أسئلة موجعة إلى حد كبير ذاك أن هجوما ضخما من هذا النوع يحتاج إلى أسابيع عديدة للتحضير له، ثم يحتاج إلى معطيات لوجستية وإجراءات عملية وتنسيق مع أصحاب القرار أي الأتراك، كيف لم تستطع لا المخابرات السورية العسكرية ولا المخابرات الروسية أن تسجل مثل هذا الأمر خاصة أن لدى الروس أقمارا صناعية تستطيع رصد تلك الحشود التي تهيأت للاقتحام، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وأين تفاهم آستانة والاتفاق على منطقة خفض التصعيد؟ ما الذي جرى؟ وكيف يمكن أن يوجه الشريك التركي هذه الطعنة في الظهر للشريك الروسي والإيراني على حد سواء؟
    -تبريرات وتقديرات
    يرى البعض أن الأمر يعود إلى تردي الأوضاع المعيشية في سوريا إلى درجة كبيرة وهذا حق، وكان يجب أن تنتبه إليه السلطات منذ زمان بعيد، ولكنه هنا تحديدا غير موضوعي فمعاناة الشعب السوري لا تُحل من خلال احتلال المنظمات الإرهابية للعاصمة الاقتصادية السورية، كما أن مثل هذه الآراء دون أن تدري تصور أن جبهة النصرة -المدانة عالميا وأمميا بأنها إرهابية- قد تحركت وقامت بهجومها على حلب بدافع إنقاذ الشعب السوري…!!! كما سيبدو من خلال طرح الأمور على هذه الشاكلة أنه يبرئ التكفيريين من مواقفهم المتطرفة، وكأنهم تابوا عن قطع الرؤوس، رغم أنهم لا يخفون توجهاتهم حتى في الفيديوهات التي يطرحونها حاليا مهددة متوعدة باسم الله الذي يحتاج إلى “نصرتهم”!!! لذا وإن كنت اعتبر السلطات في سورية مقصرة بحق الشعب في سورية لكن احتلال حلب لا يجوز النظر إليه من هذا المنظار على الإطلاق… هناك طعنة من الخلف للحليفين في مشروع آستانة، والدافع الرئيسي لها هو شعور “الباب العالي- الباشا العثماني” بالإهانة لأنه اقترح الصلح مع الرئيس السوري والرئيس بشار الأسد رفض ذلك حسب معظم تفسيرات المصادر التركية، كيف يمكن أن يرفض؟ والحقيقة أن الرئيس السوري لم يرفض ولكن طالب بما يطالب به أي رئيس يحترم شعبه وسيادة بلده، فقواته لا تحتل أراض تركية بل العكس، وقد طالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أو على أقل تقدير التأكيد بوثيقة رسمية على أنه سينسحب، لكن الباشا العثماني يريد أن تأتيه سورية طائعة ذليلة وهو المحتل لأراضيها طالما طلب الصلح!!!
    وهنا وضع شريكيه الرئيسيين روسيا وإيران في حالة حرجة، فالثلاثي ضامن للاستقرار وإذ بأحد هؤلاء القادة الثلاثة يطعن شريكيه في ظهريهما ولا يتيح هجوم هذه الآلاف من الإرهابيين بل ويقدم لهم الدعم العملي والمادي والسلاح وتقدم إسرائيل والولايات المتحدة الدعم اللوجستي والمعنوي بعد أن فرغت من لبنان، وحتى الإحداثيات ذاك أن الهجوم بدأ بالمسيرات على أهداف محددة لمواقع الجيش السوري، من هنا بات الشارع السوري يطرح بقوة ألم يحن الوقت لموسكو أن تتنبه جيدا من صديق يمكن أن يقلب ظهر المجن في أية لحظة؟ ، لقد تمكن من تحويل آلاف المقاتلين وخاصة في جبهة النصرة المعتبره دوليا منظمة إرهابية، بل وحتى في تركيا تعتبر إرهابية، ومع ذلك يقدم لها كل التسهيلات والسلاح، ولم يكن صدفة كذلك أن تُستخدم ضد الدبابات السورية صواريخ أمريكية مضادة للدروع.
    -روسيا متضررة أيضا
    طبعا من الواضح أن روسيا ستكون متضررة جديا في إطار المستقبل إن تم تكريس انتصار الفصائل المسلحة، فقسم غير قليل منها من شمال القفقاس والفولغا وآلآف من المتشددين الإسلاميين من آسيا الوسطى، وسيشكلون عبئا ومخاطر عديدة لروسيا لاحقا، من هنا فإن روسيا معنية بدرء هذه المخاطر مسبقا ولهذا اتفقت مع تركيا التي ترعى ولا تخفي ذلك عمليا هؤلاء المسلحين بل وقسم منهم ما يسمى بالجيش الحر يحصل على رواتبه من تركيا عدا عن تمويل شؤونه العسكرية، وهو يعتبر فرقة عسكرية تركية تماما.
    وقد قام أردوغان المحتل للأراضي السورية بتثبيت نفسه ليكون أحد الأطراف المُساهِمة والضامنة في مشروع خفض التصعيد واتفاقات حل التهدئة، بما يسمى منصة آستانة منذ عام 2017 ، محتل وضامن ومساهم لتكريس الاستقرار أمر عجيب أليس كذلك؟ هو يدعم ويسلح الإرهابيين والتكفيريين علنا، حتى الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها، تجاوزها عشرات المرات المسلحون الذين تدعمهم تركيا، بما في ذلك مسرحية فصل المتطرفين المتشددين عن المعتدلين، وكأنما يوجد بين التكفيريين معتدلين، لعله يقصد أن هؤلاء يحسنون القتل بشحذ سكاكينهم أثناء قطع رؤوس من يعتبرونهم “كفارا”.
    -الظلال الأوكرانية في هجوم حلب
    لم تكن عمليات دعم أوكرانيا للمسلحين الإرهابيين في سوريا خفية على أحد، ومنذ فترة طويلة حيث قطعت العلاقات بين سوريا وأوكرانيا التي تواصلت عبر الناتو وتركيا مع المسلحين في إدلب، ورغم استمرار العلاقات الطبيعية بين موسكو وأنقرة إلا أن تركيا لم تقدم لروسيا أي موقف سياسي إيجابي فقد اكتفت بعدم فرض العقوبات على روسيا، وهذا ليس كرم أخلاق من أردوغان، بل لأنه يعرف جيدا أنه هو الذي سيتضرر، يكفي حجب ملايين السياح سنويا، عدا عن البضائع الكثيرة بما في ذلك الخضراوات والفواكه التي يصدرها لروسيا إلا أنه رفض الاعتراف بانضمام شبه جزيرة القرم ولا المقاطعات الأربع التي كانت كالقرم تاريخيا أراض روسية وتعيش فيها إلى الآن غالبية روسية، ويبدو وهذا الأرجح أن أردوغان استغل ظرف روسيا الحرج والاستثنائي في حربها مع النازيين الجدد في أوكرانيا، فقام بهذه الطعنة في الظهر لتأكده من أن روسيا لن تقوم بفتح جبهة مواجهة مع تركيا في هذه الظروف الحساسة، لكن الأخطر من ذلك أن تركيا كانت تسهل لأوكرانيا والمخابرات الأوكرانية عمليات التواصل مع الإسلامويين المتطرفين في إدلب، وهناك معطيات أكيدة بوجود صفقات بين المخابرات الأوكرانية والإرهابيين في إدلب لتزويدهم بالمسيرات وتدريبهم على استخدامها ضد القوات السورية وبالمقابل إرسال مقاتلين من هؤلاء الإرهابيين للقتال مع القوات الأوكرانية ضد روسيا.
    -وقائع وتصريحات تؤكد التدخل الأوكراني في سوريا
    لنبدأ من حقيقة التعاون العسكري بين تركيا وأوكرانيا حيث زودتها تركيا -التي تعتبر شريكا لروسيا – بمسيرات بيرقدار منذ أمد بعيد، حتى يمكن القول أن أول عهد أوكرانيا بالمسيرات القتالية من دون طيار كان بمسيرات بيرقدار التركية، ومن الواضح إن الأوكرانيين بعد أن أتقنوا التعامل مع المسيرات نقلوا تجربتهم إلى المسلحين في إدلب عن طريق خبراء عسكريين، وحتى مقاتلين طالما الأمر في نهاية المطاف يصب ضد روسيا أي قتال روسيا في أي بقعة في العالم علَّ ذلك يضعفها، حتى أن الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروف أشارت بوضوح إلى الظلال الأوكرانية في الهجوم البربري على حلب مشيرة إلى أن الإرهابيين لم يكن لهم أن يقدموا على هذا العمل الوقح دون الدعم الكامل من القوى الخارجية التي تسعى إلى إثارة جولة جديدة من المواجهة المسلحة في سوريا وتغذية دوامة العنف مشيرة إلى وجود المنحدرين من الاتحاد السوفييتي في صفوف الإرهابيين بمن فيهم من أوكرانيا، وقد أكد على هذه المضامين مندوب روسيا الدائم فاسيلي نيبينزا الذي أوضح أن الإرهابيين في سوريا يحصلون على الدعم من الولايات المتحدة وحلفائها بما في ذلك بالسلاح، وكان وزير الخارجية الروسية لافروف قد أعلن في أكتوبر الفائت أن نظام طييف يقوم بتدريب مسلحين من تنظيم هيئة تحرير الشام في سوريا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وأن هذا التدريب يشمل استخدام تقنيات جديدة حتى لانتاج طائرات بدون طيار لاستخدامها في العمليات العسكرية ضد سوريا. وكل ذلك لا بد أن يمرّ عبر تركيا تحديدا. حتى الصحافة التركية فضحت هذا التعاون حيث نشرت صحيفة “إيدينليك” التركية صورة لشخصين يرتدي أحدهما قميصا عليه رمح ثلاثي وهو شعار أوكرانيا التاريخي والآخر بزي عسكري والصورة ملتقطة في إدلب في يونيو المنصرم.
    نشير أخيرا إلى أن لافرنتيف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية أعلن بوضوح أن روسيا ستقضي على رجال المخابرات الأوكرانية الموجودين في سوريا، وسيتم رصدهم والقضاء عليهم باعتبارهم متواطئين مع الإرهابيين، ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن ناريشكين مدير جهاز المخابرات الخارجية أعلن أن كييف تزود المنظمات الإرهابية في سورية بطائرات مسيرة هجومية واستطلاعية إضافة إلى الذخيرة وذلك مقابل تجنيد مسلحيها ضد أهداف روسية وكذلك للقتال في كتائب المرتزقة التابعة للقوات الأوكرانية، وأن المخابرات الأوكرانية تتواصل مع هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وقوات سورية الديمقراطية وأجناد القوقاز وجيش تحرير أنغوشيا… وحتى هذه التسميات تعبر عن مضمونها الإرهابي الانفصالي.

  •  رامي الشاعر يكتب : كفى ممطالة يدفع ثمنها الشعب!

    تطبيق القرار 2254 وإجراء حوار سوري سوري فوراً هو الحل الوحيد والصبر بدأ ينفذ.

    في أول تقدم على الأرض تحققه فصائل المعارضة السورية المسلحة منذ مارس 2020، بعد أن تمكنت مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) من التوصل لوقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، وإنشاء مناطق خفض التصعيد، شنت تلك الفصائل هجوما، الأربعاء الماضي، اجتاحت خلاله 12 بلدة وقرية في محافظة حلب شمال غربي البلاد.
    لم يكن دخول حلب والسيطرة عليها بالسهولة والدراماتيكية التي تحدث عنها البعض، ولم تكن الأرض ممهدة على النحو الذي ذهب فيه البعض إلى اتهام الجيش العربي السوري بالانسحاب غير المنظم، وإنما كان الهجوم بمثابة عملية كبرى، دعمتها حاضنة شعبية أسهمت في نجاح العملية بهذه السرعة.
    كان تعليق الكرملين على لسان المتحدث الرسمي دميتري بيسكوف واضحا لا لبس فيه، واعتبر عملية حلب “تعديا على السيادة السورية”، وهو محق وأتفق معه، فأي استخدام للسلاح خارج إطار الشرعية الدستورية في أي دولة هو تعد على سيادة الدولة ووحدة أراضيها والجمهورية العربية السورية ليست استثناء.
    لكن ما يجب وضعه في الاعتبار هنا هو حالة الاحتقان من الأوضاع الراهنة في البلاد، ما جعل المواطنين البسطاء متعطشين لأي رياح تغيير تأتي من أي جبهة، بصرف النظر عن أيديولوجيتها أو سياساتها أو مصادر تمويلها أو أي شيء. فالشعب البسيط يعيش حالة من الجحيم المستمر الذي تسهم في إشعاله العقوبات الغربية بقيادة الولايات المتحدة، فلا تدفئة ولا مواصلات في ظل انتشار الجوع والفقر والمرض، وافتقار للحد الأدنى من متطلبات الحياة.
    هناك حالة احتقان عامة في الشارع السوري، وضاق الشعب من شمال وجنوب سوريا ذرعا بالوضع الحالي، الذي يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى النظام الحالي الحاكم في عموم سوريا، لهذا يبحث الناس عن أي بارقة أمل وأي مخرج من الوضع وأي منقذ من الكارثة الحالية. وهنا تظهر المعارضة، بصرف النظر عن مضمونها الأيديولوجي والسياسي، وأحياناً حتى بصرف النظر عن الوسائل التي يمكن أن تتجاوز الدستور وتخرج عن الشرعية، فيلتف حولها البسطاء بحثاً عن ضوء في نهاية النفق، إلا أن المخرج من الأزمة السورية لن يكون، وكما كررت وأكرر ولن أتوقف عن التكرار، سوى بالعودة إلى ما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري السوري عام 2018.
    لقد طال انتظار عامة الشعب السوري للحل، وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد ومرشح للتدهور أكثر وأكثر، في حين أن الوضع كارثي بالفعل. ولم تعد القضية اليوم هي قضية جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام أو أيا ما كان مسمى الفصائل والكتائب والألوية وأطياف المعارضة المختلفة، ولم تعد القضية قضية “دور المرأة” أو درجة “أسلمة” أو “علمنة” الدولة السورية، ولم تعد القضية كذلك قضية الأسد أو “البعث” أو “العلويين”، بل أصبحت القضية قضية ماء وغذاء وطاقة ومواصلات وتعليم وصحة وحد أدنى يوفر للأطفال نموا طبيعيا ويحمي مستقبل البلاد والشعب من الفوضى والانقراض والاندثار، إن القضية أصبحت قضية وجود الدولة السورية بالأساس، القضية أصبحت رغبة 7 ملايين سوري على أقل تقدير، يرغبون بصدق، إلى جانب غيرهم من المواطنين السوريين، في إيجاد مخرج وحل للوضع المأساوي الراهن الذي لم يعد يحتمل على الإطلاق.
    وما يجري اليوم على الأرض في الشمال السوري هو النتيجة المنطقية والطبيعية لمماطلة النظام في دمشق في التجاوب مع عملية الانتقال السلمي للسلطة، والحوار مع جميع مكونات الشعب السوري، وضم الجميع تحت مظلة سوريا الموحدة التي تعيش في أمن وأمان واستقرار وعلاقات حسن جوار. ولقد بذلت روسيا كل ما بوسعها من خلال مجموعة دول أستانا، ومن خلال أكثر من إعلان عن استعدادها لاستقبال محادثات ثنائية رفيعة المستوى، وإسهامها الفعلي في حوارات المعارضة السورية والنظام، وغيرها من الفعاليات التي انتهت، مع الأسف الشديد، دون إحراز النتائج المرجوة، برغم أن الحد الأدنى، وهو الوصول إلى نظام التهدئة ووقف إطلاق النار، قد تم الوصول إليه، ولكن بهدف أن نصل إلى نضج العامل السوري الداخلي لبدء الانتقال السلمي إلى دستور جديد ونظام حكم يستوعب الجميع.
    أما الحديث عما يسمونه “قصف الطيران الروسي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة”، فهو أمر عار عن الصحة بالجملة، فروسيا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتدخل في تطورات الأحداث بسوريا ضد إرادة الشعب السوري، ولكن يمكنها فقط أن تساعد في مكافحة الإرهاب واستعادة النظام بتوفير الدعم لاستهداف أي أنشطة إرهابية وتنظيمات مدرجة على قوائم التنظيمات الإرهابية المصنفة وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.
    وأحداث حلب، فيما أعتقد وأتصور، لا يمكن تصنيفها بـ “الأنشطة الإرهابية”، أو أن قوى وتحريضات “تركية” تقف وراءها، بل على العكس، أظن أن مماطلة النظام في دمشق هي ما تسببت في ذلك الاحتقان، وفي تعزيز تلك الحاضنة الشعبية التي استقبلت المعارضة المسلحة على هذا النحو. كذلك أعتقد أن المماطلة من قبل القيادة في دمشق في الاستجابة لمبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد، ساعدت على تدهور الوضع الراهن، المرشح للتدهور أكثر من ذلك.
    أتمنى أن يمارس الجميع أقصى درجات ضبط النفس، وأن يحتكم الجميع إلى قرارات مجلس الأمن الدولي والشرعية الدولية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجموعة أستانا، وأن يبدأ الجميع حوارات تشمل جميع فئات الشعب السوري لتفادي نشوب حرب أهلية طائفية تحرق الأخضر واليابس، وتكون نتائجها كارثية على الجميع. وأنا على ثقة أن غالبية الشعب السوري الأبي العزيز سليل الحضارات والثقافات المتنوعة والمختلفة والموغلة في عمق التاريخ، بجميع أطيافه وخلفياته وتنوع أيديولوجياته، يتوقون فعلياً للانتقال السياسي السلمي للسلطة في إطار نظام يشارك فيه الجميع، ويحترم الجميع، ويضم الجميع تحت مظلته، لإعادة بناء سوريا وعودتها لمكانتها الطبيعية بين الأمم.
    وأؤكد هنا أن روسيا لا تنحاز إلى طرف على حساب أطراف أخرى، وإنما تنحاز إلى الشعب السوري وحده، وإلى إرادة الشعب المعلم الذي ضحى بدماء أبنائه، وسطر صفحات من تاريخ ناصع البياض، دفاعاً عن استقلاله وحريته وسيادته ووحدة أراضيه. وتصريحات الكرملين ووزارة الخارجية الروسية تشدد على أن سوريا للجميع وبالجميع ومن أجل الجميع، وروسيا تدعم القيادة الشرعية السورية، وقد عبرت عن قلقها بخصوص الأحداث الأخيرة، ودعت جميع الأطراف إلى العودة إلى نظام التهدئة، ووقف إطلاق النار، والجلوس الفوري إلى طاولة المفاوضات بين المعارضة والفصائل المسلحة والنظام في دمشق للبدء في ترتيب عملية الانتقال الفوري للنظام الجديد في سوريا، وهو ما يقرره السوريون بأنفسهم. وهذا هو موقف روسيا المتسق مع موقف الشرعية الدولية ممثلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
    في رأيي المتواضع أتصور أن الانتقال الفوري يمكن من خلال تشكيل هيئة انتقالية ميدانية تدير شؤون البلاد، يشارك فيها ممثلون عن النظام والمعارضة والتنظيمات المسلحة، تساعد مجموعة دول أستانا لترتيب عملية البدء بالانتقال السياسي السلمي والتعديل الدستوري والإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأنا على يقين من أن روسيا سوف تتجاوب مع كل ما يتفق عليه السوريون لإنقاذ بلدهم وإنهاء أزمتهم.
    بالطبع فإن الحل النموذجي الذي طالما دعوت له في سلسلة من المقالات السابقة هو البدء الفوري بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، والاجتماع الفوري للجنة الدستورية لإجراء تعديلات على الدستور تسمح بمشاركة جميع مكونات الشعب السوري العرقية والطائفية بشكل متساو في السلطة التنفيذية والتشريعية والقضاء، وتحديد أنظمة حكم لا مركزية في بعض المناطق تمنح للسكان حقوقهم وحرياتهم، وتسمح لهم بممارسة حياتهم ومكونات ثقافتهم بحرية ودون تمييز، وتربطهم في الوقت نفسه بسلطة الدولة المركزية. إلا أن الظروف والأحداث الراهنة المتلاحقة تتطلب تشكيل هيئة انتقالية ميدانية لوقف الاقتتال الآن وفوراً، ولا يعني ذلك أي تعد على شرعية النظام الحالي، وإنما هو مجرد مساهمة في حل الأزمة الراهنة.
    أما ما يتردد الآن بشأن محاولة انقلاب في دمشق، أو إطلاق نار ببعض الأحياء، فكل تلك أخبار عارية عن الصحة، إلا أن عجز الأطراف عن الشروع فورا في عملية الانتقال السلمي يهدد باندلاع الفوضى الشاملة في سوريا، وهو أمر لو تعلمون عظيم، سيؤثر على المنطقة بأسرها.
    فيما يخص مزاعم وصول الأسد إلى موسكو في “رحلة سرية”، و”عودته من رحلته السرية”، أقترح عدم الالتفات إلى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المشبوهة، واستقاء المعلومات من الجهات الرسمية وحدها، وروسيا لا تخفي أبداً أي تعامل لها مع جميع مكونات الطيف السياسي السوري، وقطعاً لن تخفي تعاملها مع الرئيس الشرعي للبلاد بشار الأسد، ولو قدم الرئيس الأسد إلى موسكو، فسيتم استقباله بالطبع حسب تقاليد البروتوكولات الخاصة بزيارة الرؤساء.
    لقد مر على اندلاع الحرب الأهلية في سوريا أكثر من ثلاثة عشر عاما، تغيّر فيها العالم، وتلوّن بألوان جديدة مختلفة، وتبدلت التوازنات ولا زالت تتبدل استعداداً لبزوغ شمس العالم الجديد متعدد الأقطاب، حيث تظهر اليوم مصالح قطاع جديد من الدول في جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية فيما يسمى بـ “الجنوب العالمي”، وتبرز أدوار منظمات ومجموعات على غرار مجموعة “بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهو ما يجعل التعامل بنفس المعايير مع نفس الظواهر أمرا لا يواكب التطور، ولا يتفاعل مع الأحداث. لذلك، وبرأيي الشخصي المتواضع، أرى ضرورة إعادة النظر في قضية مفهوم وتصنيف التنظيمات الإرهابية، لأن الفترة الزمنية الممتدة للأزمة السورية والوضع الكارثي للبلاد، دفعت بأجيال من الشباب نحو اليأس والتطرف، وأصبح من الواجب علينا اليوم أن نتفهم دوافع ونوايا الشباب الذين يلجؤون أحياناً إلى أساليب متطرفة وربما “إرهابية” لتحقيق أهداف معينة.
    يجب إعطاء فرصة لهذا الجيل الجديد كي يستوعب المصالح العليا للبلاد، وأن يفهم المعنى العميق لمفهوم “الوطن” و”الوطنية”، وألا نستخدم الحلول الأمنية وحدها بالتحييد والتصفية الجسدية والاعتقال، بل نضيف إليها إمكانية الحوار والمراجعة والتوبة واستخدام الفكر المضاد، وغيرها من أدوات الحرب الفكرية، التي طالما استخدمها العدو في تجنيد شباب الأمة.

  • د. علي عزيز أمين يكتب: الوجه الآخر لقرار الجنائية الدولية فخ جديد لنا!

     

    يبدو أن كل ما شاهدناه وسمعناه من امتعاض أمريكي وسخط إسرائيلي حول قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق شخصَي المجرمان نتنياهو وغالانت بعد طول تسويف وانتظار، ما هو إلّا مجرّد ضوضاء وفعاليات هوجاء مدروسة ومحبوكة بمنتهى الدقة والعناية، جرى هندستها والاتفاق عليها مسبقاً بين الإدارتين الصهيونيتين في واشنطن وتل أبيب، حيث أن كلتاهما لا تباليان أصلاً بتلك المحكمة، ولا تعتبرانها سوى أداة من أدوات الغرب الاستعماري المتنوّعة، يستخدمها هذا الغرب كما ومتى يشاء وفقاً لمصالحه الخاصة، والتي تقتضي الآن إظهار معاداته لها، وهذا شيء بديهي كون القرار الصادر ضدهم ويمس ساميّتهم المسمومة. لكن ما خفي ليس أعظم، بل أقذر وأحقر!

    جميعنا شهدنا قرار تلك المحكمة في شهر آذار من العام الماضي 2023 بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكيف تلقّى الخبر حينها عالمنا العربي، وبالتحديد فئتنا وبيئتنا القومية المقاوِمة، فنحن وهو ما كانت الإدارة الأمريكية متيقّنة منه، مؤمنين بأنه لا خلاص ولا مناص للعيش بسلام وأمان سوى بانتقال العالم إلى عالم التعددية القطبية، وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد بأن من يقود زمامه ويسير به هو الرئيس فلاديمير بوتين وإدارته التي تتحلى وتمارس أقصى درجات ضبط النفس، وهو ما جعله وإدارته عُرضة للانتقاد في العديد من المرات حتى مني شخصياً أحياناً ومن الأصدقاء الأكثر إخلاصاً وتفانياً أيضاً، ليس للانتقاد السلبي المراد منه الطعن والتشكيك والتشويه بل لأننا فعلاً وحقيقةً يجب أن يدركها الجميع بقارب واحد، ولكن هذا نابع من ما يحدث كل يوم من أهوال مُشاهدة مناظر القتل والإجرام التي تمارسها بحقنا جيوش الغرب الاستعماري وعلى رأسهم أمريكا بشكل مباشر تارة، وعبر ذراعها الإسرائيلي تارات أخرى. خصوصاً وأن هؤلاء هم أنفسهم الذين يحاصرون الشعب الروسي، ويرسلون أسلحتهم الفتاكة لقتلهم عبر ذراعهم الأوكراني المتمثل بالمجرم المنحرف زيلينسكي وزمرته الصهيونية النازية.

    ولعل هذا القرار الذي اتخذته تلك المحكمة والتي أصفها من وجهة نظري بأنها سيئة الصيت، يحاول الغرب من خلاله أن يساوي بين الرئيس بوتين ودراكولا العصر نتنياهو وعصابته، وبين روسيا الاتحادية و”الكيان” النازي صنيعة الغرب الاستعماري كما نظام كييف العميل له. مُوجهاً تلك الصورة البليدة ـ أي المقارنة المشوّهة ـ إلى شعوبنا، ليُحفزّها للإشادة بالقرار محاولاً إقناع السُذّج منهم: بأنكم يجب أن تعلموا أن بوتين الذي تحبونه وتعتبرونه الداعم الدولي القوي لما تعتبرونها قضيتكم المركزية فلسطين، وتأملون به خيراً، لا يختلف عن نتنياهو، فكلاهما مجرميْ حرب.

    وفي الختام، فإن على عقلاء العرب والمسلمين وأحرار وشرفاء العالم أن يمتنعوا عن التطبيل والتهليل بما يصدر عن هياكل الغرب الاستعماري، وأن ينظروا لكل ما يصدر عنها بعين الشك والريبة، خاصة وأن هذه الهياكل جميعها لم تنصف الشعوب المظلومة في العالم، ولم تتمكّن من تنفيذ ما أقرته وكررته مراراً وتكراراً من قرارات تمس “الكيان” المجرم أو قيادات ودول الغرب الاستعماري التي فتكت بعشرات الملايين من الأبرياء، ولا تزال تسير على ذات المنوال. وليكن قرارنا الوحيد الأوحد أن نقاتلهم حتى آخر رمق، سواء في فلسطين أو لبنان وكلٌّ حسب موقعه حتى تحرير كل أراضي لبنان والجولان وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، أما دراكولا العصر، فوعداً سنسفك دمه الفاسد، ونرشه على قبره ونكتب: قبر دراكولا العصر، وفي ذلك حقّ وعدل.

     

     

  • لا مفاوضات مع من قرر محاربة الله

     

    د. علي عزيزأمين
    لا تزال المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبقية جبهات الإسناد في اليمن والعراق وحتى الجمهورية الإسلامية الإيرانية تضبط أفعالها المشروعة وحقّها الطبيعي في الدفاع عن النفس بمنظومة القِيم والأخلاق وقوانين الحروب الوضعية والإسلامية السَّمِحة والقانون الإنساني الدولي، في مقارعة عصابات إسرائيلية وغربية يشهد عليها تاريخها وحاضرها بأنها تعبّر أصدق تعبير عن “الظلام” و”الهمجية” و “البربرية” و”التوحش” بأبشع صورها. حيث تنتهك عن سبق إصرار وترصّد كل القوانين والقِيم والأخلاق وحتى الفطرة الإنسانية السويّة، ولا يبدو أنّها قابلة لمراجعة هذا السلوك أو التراجع عنه قيد أنملة. فهل آن الاوان ولو متأخراً لمراجعة التعامل معه بالمثل وردّ الصاع صاعين وبالطريقة التي يفهمها وتُجدي معه، وفي ذلك قمة العدل والإنصاف.
    وعليه، فإن الجنوب اللبناني جزءٌ أصيل من لبنان، والطائفة الشيعية جزءٌ لا يتجزأ من الشعب اللبناني ومكوّن أساسي من مكوّناته كبقية الطوائف المسيحية ومنها المارونية والأرثوذوكسية، والسنيّة، والدرزية والعلوية وغيرها.. وليست مجرد جالية طارئة ودخيلة، بل بذلت الغالي والنفيس في مواجهة “الكيان” العدواني والحفاظ على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، وما زالت تدفع أبهظ الأثمان في سبيل ذلك، شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى، ومَن يقول بغير ذلك فليُراجع نفسه ويعود إلى الرُّشد والصواب وليتراجع فوراً، ومَن لم يتراجع ويُعلن توبته فعلى الجهات اللبنانية الرسمية المختصة أن تعتقله وتدقق ليس في وطنيّته والوطن في حالة حرب، بل والتيقّن من جذور لبنانيّته كذلك.
    وكون لبنان يواجه عدواً متوحّشاً بطبعه، ويسعى لتدمير لبنان كل لبنان بمختلف مناطقه دون تمييز، فالضاحية كما بعلبك والهرمل وزغرتا وبكفيا وعكار والبسطة والحمرا سواء بسواء.. ويُمعن في استهداف عموم الشعب اللبناني بشتى طوائفه ومذاهبه ومكوّناته حيث “العربي الجيّد مسلم أم مسيحي هو العربي الميّت” وفق معتقداته. فإن بيروت العاصمة بكافة مناطقها مقابل تل أبيب هي المعادلة الأكثر عدلاً، كما أن كل ضحايا عدوانه البربري على لبنان من المدنيين الأبرياء لا يماثل الفرد الواحد منهم كافة مستوطني “الكيان” المتفرّد في العالم أجمع الذي لا مدنيين فيه بل جنود في “ثكنة” عسكرية كما أسسه الغرب الاستعماري بالأساس.
    بهذا المنطق لا بدّ أن تتصوّب بوصلة المقاومة اللبنانية الأسطورية، ومعها كافة المقاومين لهذا “الكيان” المارق الذي لا قِيَم ولا أخلاق ولا فطرة إنسانية ولا قانون تردعه أو تُجدي نفعاً مع عصابات وحوشه الضارية المسعورة، والذي ذهب كبيرهم الذي بات المطلوب الأول للعدالة السماوية والإنسانية، المجرم البولندي النازي “بنزيون ميليكوفسكي” لدرجة تحدي الله والوعد بالانتصار عليه لو وقف إلى جانب اللبنانيين والفلسطينيين وحال دون استمراره في حربه الهمجية وتحقيقه وهم “النصر المطلق” في عموم منطقة الشرق الأوسط وفق مشيئته بحد السيف و”اليد الطولى” و “أنا ربّكم الأعلى”.